الملحق الثقافي- جمال الطرابلسي:
الحديث عن الكتاب الأول حديثٌ ذو شجون تتوهج فيه مجامر الذاكرة حنيناً لأيام دافئة في حضن الطفولة وفي كنف الأسرة الكبيرة .
( فيروز شاه ابن الملك ضاراب) اسم الكتاب الأول الذي قرأته في المرحلة الابتدائية في ستينيات القرن الماضي وقد كان مخطوطاً بريشة جدي المرحوم الشيخ صالح الطرابلسي الذي كان إذا استعار كتاباً يقوم بنسخه وتجليده بحرفية بديعة و فيما أذكر أنّ الأصل في أربعة أجزاء من الورق الأصفر طباعة مصر ، والكتاب يروي سيرة أسطورية فارسيّة في الحبّ و الحرب ، وقد أدركت لاحقاً أنّ الكتاب نسخة عربية معرّبة لملحمة الشهنامة للفردوسيّ ، وهذه السيرة الأسطورة بما فيها من عشرات المواقف البطولية و الأخلاقية العليا و الحكايات التي تقوم على القدرات الخارقة للبطل الأسطوري « فيروز شاه « قد ترك في ذاكرتي أثرا طيّبا وجّهني نحو قراءة الكتب ذات الطابع القصصي وبشكل خاص كتاب ألف ليلة وليلة منسوخاً أيضاً بخط جدي فتكونت عندي الأسس الأولى لعشق القصّ و الحكاية وتنمية الخيال في فضاءات الزمان و المكان ..
لقد قرأت لاحقا الكثير من الكتب المشابهة وكلها مخطوطة و بعضها مطبوع وهذه المطبوعة كنت أستعيرها من سيارة مركز الثقافة و الإرشاد القومي التي كانت تجوب ريف حماة و تستقر قريبا من بيتنا .
ولقد تأخرت كثيرا حتى اشتريت الكتاب الأول وهو ( ماجدولين) للكاتب( فونس كار) ترجمة واختصار مصطفى لطفي المنفلوطي ، وهو قصة حبّ رومانسية مليئة بالتضحية و الأسى و أجواء العشق العفيف .
أما مؤلفي الأوّل الذي دفعت به نحو الطبع فقد تأخرت به عقودا ، وهو ( حكايات البيلسان) الذي صدر عن دار الينابيع عام ٢٠٢٢ ، حاولت في هذا الكتاب توثيق البيئة في ريف الجبال الساحلية قبل خمسة عقود حيث تغيرت الحياة اليوم بكلّيتها ولم يتبق منها غير ذلك الحنين لأيام المطر ، وحاولت أيضاً الإضاءة على حياة الفقر و القهر الاجتماعي الذي عاشه أهلنا الفلاحون الفقراء الكادحين في ظل سيطرة النظام الاقطاعي المتخلف و الجائر ، وأضفت الحرب على الكتاب ظلها القاسي فحفل بمرارة وقسوة ( الفَقْد و دمار البيوت والتشرد وضياع أجمل سنوات العمر بالنسبة للشباب) ، ولم يُغفل الكتاب ابتسامة الحبّ و الحياة فالحبّ يتسلل إلى الحكايات تماماً كما تتسلل الشمس عبر نوافذنا .
حكايات البيلسان هو كتاب يحمل بين ضفتيه ماء تجربة حياتية غنية أودعتها بين أيدي القراء لتكون شاهداً على صيرورة الحياة وحافزاً للقراءة و الحبّ.
العدد 1121 – 22-11-2022