“أن تصل متأخراً خير من ألا تصل أبداً” وهذا على مايبدو عليه حال محافظة ريف دمشق هذه الأيام التي تغط في سبات منذ أعوام كثيرة، حتى أصبحت بعض الوحدات الإدارية فيها خارج حدود الخدمات وتجاوز القوانين هو السائد في عرفها، لاسيما خلال سنوات الحرب ومارافقها من استغلال أكبر لتراجع دور الدولة في بعض المناطق.
صحوة متأخرة بدأتها بحملة واسعة لهدم مخالفات بناء شملت قصوراً وفيلات بنيت بشكل مخالف في الواقع، لكن وجودها شرعن باستثناءات من أعلى الجهات المعنية في محافظة الريف و(على عينك ياتاجر) ومن غير مبالغة فإن حجم المخالفات التي شيدت على أرض الريف المحاذي للعاصمة خلال السنوات العشر الأخيرة يعادل أضعافاً مضاعفة لعدد مخالفات البناء التي شيدت على مدى عقود، حتى وصل الأمر إلى تشييد عقارات ضخمة مرخصة نظامياً لكنها مخالفة قانونياً في حرم الأنهر وأكبر مثال على ذلك العقارات المبنية على حرم نهر بردى، والتي أدت إلى تآكل سريع للأراضي الزراعية واندحار قاهر للغطاء الأخضر أمام غزو الكتل الإسمنتية الضخمة بطوابقها المتعددة والتي لم يراع حتى عند بنائها الشروط السليمة والمسافات الفاصلة بينها.
إجراءات محافظة ريف دمشق قد تبدو محفزة ومشجعة لردع كل من سيفكر ببناء مثل تلك المخالفات مستقبلا، ولكن ليس هذا هو الحل فالمواطن لم يكن ليتجاوز القانون لولا وجود استشراء الفساد في مفاصل الجهات المعنية والذي شجعه للإقدام على خطوة بناء منزل أو قصر أو ماشابه في مكان مخالف مقابل دفع مبالغ كبيرة ليحظى بمايريد، فالحل يجب أن يبدأ من القوانين المتراخية مع هكذا حالات مروراً بالرقابة على عمل المجالس والوحدات الإدارية وليس انتهاء بالمحاسبة الحقيقية لكل فاسد والابتعاد عن ما أصبح مثاراً للتندر بين المواطنين (سياسة الإعفاء من منصبه ) وتركه يتمتع بما سرقه من جيوب الناس والمال العام.
حملة إزالة مخالفات البناء بدأت حسب المعنيين بمحافظة الريف، لكن جل مايتمناه المواطن ألا تكون كغيرها كحقنة مؤقتة يهدأ بها تصاعد الأصوات المتعالية ضد الانتهاكات الصارخة لقوانين البناء ورائحة الفساد التي أزكمت الأنوف.
ريف دمشق التوءم اللصيق بالعاصمة وهي المحافظة الغنية بمواردها وخيراتها، ناهيك عن مواطن الجمال والسياحة والتاريخ الممتد عبر جبالها وسهولها تستحق أن تحظى بما هو أفضل.