الثورة – بشرى خليل سليمان:
تُعَدُّ مرحلة المراهقة من أكثر المراحل التي تقضُّ مضجع الأسرة قلقاً وتعباً، فتسارع للبحث والأخذ بالأسباب المساعَدة في اجتياز هذه الفترة الحرجة بسلام، فهي من أصعب المراحل التي يمر بها الإنسان، لأن المراهق يعاني تغيرات فيزيولوجية وعقلية واجتماعية، وحالة من الصراع مع ذاته ليكتشفها ويطالب باستقلاليتها وحريتها، وبالمقابل يعاني الأبوان تمرُّد أولادهم وبُعدِهم عنهم وتفضيل الأصدقاء عليهم.
ترى الدكتورة فريال سليمان “علم نفس النمو” في لقاء للثورة أن مشكلات المراهقين في الوقت الراهن تختلف عن السابق، فقد أصبحت أكثر تعقيداً، والتعامل معها صعب وشاق بالنسبة لأولياء الأمور، فهي تظهر عادةً مابين (12 و15) عاماً، وقد تمتد أحياناً حتى الـ18 عاماً، أي إنها مرحلة انتقالية بين الطفولة والرشد، وتختلف من شخص لأخر، يعاني خلالها المراهق من الصراعات الداخلية والخارجية، ومن الممكن أن ينهي المراهق هذه المرحلة بشكلٍ سليمٍ وهادئ وبأقل الأضرار نفسياً واجتماعياً من خلال التعامل الحكيم لأسرته، وقد يخرج منها أيضاً بشخصية عدوانية إذا ماتم التعامل معه بشكلٍ قاسٍ وعنيف من دون احتواء.
وتضيف سليمان: إن الدراسات الحديثة أكدت على أن الدماغ يخضع لتغييرات هائلة من بداية سن المراهقة حتى السنوات العشرين الأولى في حياة الإنسان، وتختلف من شخصٍ لآخر، أي إن الدماغ يتطور بشكلٍ كبيرٍ ومتسارع في هذه المرحلة، وهذا يدفعنا لنفهم بشكلٍ أفضل ظواهر جيل المراهقة، ولماذا تبرز مواقف الاختلاف في الرأي والجدال والصدام مع الوالدين، والمطالبة بمساحة أكبر من الحرية واتخاذ القرارات التي تخص حياته الشخصية، إنه يعاند ويُصِرّ ويجابه ويجنح للمثالية ويطالب بتطبيقها، وكثيراً ما تُلِحُّ عليه أسئلة من مثل: من أنا؟ ما هويتي؟ ماهدفي؟ ما موقعي في الأسرة؟ ماموقعي في المجتمع؟ أو أسئلة من نمط: لماذا خُلِقت؟ ماهدف الحياة؟ ومانهايتها؟ وأسئلة أخرى عن الحياة والكون والإنسان، نستطيع رد أسبابها ومسوغاتها إلى التغيرات العقلية المتسارعة في مرحلة المراهقة كما ذكر آنفاً، والتي أكسبته نضجاً عقلياً يمكِّنُه من الشعور بالتهميش عندما يكون مهملاً وحيداً، ومن الشعور بقيمته عندما يكون مُمَكَّناً مسؤولاً، وهذا مؤشر هام على إيجابية تفكيره.
ومن هنا يستطيع الأهل الانطلاق من هذه الفكرة كدليل مساعد لمواجهة هذه المرحلة الصعبة انطلاقاً من أهم نقطة ألا وهي إشعار المراهق بأن أبويه موجودان دائماً بجانبه لمساعدته بأي وقت وبأي مشكلة بكل محبة ورحابة صدر، لتأتي بعدها عدة أمور ينبغي على الأهل الاجتهاد في تطبيقها بصبرٍ وحكمةٍ منها: احترام شخصيته المختلفة، والإصغاء له، ومناقشته بهدوء، ومدحه في حال كان مصيباً، والعمل على التعديل بالحسنى عندما يكون على خطأ من دون فرضٍ أو قسرٍ أو انتقاد خاصةً أمام الناس، وأيضاً عدم ملاحقته على كل شيءٍ يفعله لأنه يجب أن يكون له استقلاليته وقراراته، كما يمكن للوالدين قضاء بعض الوقت معه ومعاملته كصديق، ومساعدته في تحديد أهدافه وتنظيم وقته ودفعه لقضاء أوقات فراغه بأشياء ممتعة ومفيدة، وتشجيعه على المشاركة بالعمل التطوعي لاكتساب الخبرة والاندماج في المجتمع والعمل على تطويره.
نهايةً يجب أن يعرف الآباء أن فترة المراهقة مؤقتة، وأن ولدهم المراهق يرفضهم ظاهرياً، وهو في الحقيقة يحتاجهم وكثيراً أيضاً، لأنه ببساطة مازال طفلاً، لكنه يحاول أن يتصرّف كالكبار ويُريد أن يُعَامل كالكبار.
