الثورة – هفاف ميهوب:
يرى الفيلسوف الفرنسي “رولان بارت” بأن لكلّ الأشياء التي حولنا أصوات أسماها “هسهسة”.. الطبيعة والكائنات والآلات، وسواهم ما جعله يعرّف هذا المصطلح: “الصوت الدال على حسن سير الشيء، وصوت الشيء الذي لا صوت له في حال تنفيذه كاملاً”..
بيد أن ما أراده من معنى مصطلحه هذا، التأكيد على أهمية موسيقا اللغة، وذلك عبر تساؤله عمّا إذا كان للغةِ أيضاً صوتها، أي هسهستها، ومن ثم إجابته:
“إنها يوتوبيا موسيقا المعنى، فاللغة تُودع نفسها في الدّالِ الصوتي، وهذا الدّال الصوتي بعروضه ووزنه ونطقه، ينشر المتعة في أذن السامع، ويحقّق الانفعال، ويجسّد كثافة المشهد، وينقل آلام النفس، وتوترها، ويعكس حالتها”..
يقصد “بارت” هنا، أن “صوت اللغة هو الأثر الذي تتركه معاني الكلمات فينا.. الكلمات المكوّنة للنصّ، حيث متعتنا ومصدر لذّتنا”..
أما المتعة التي قصدها، فتلك التي لا نشعر بها إلا بالقراءة البطيئة والمتأنّية، وفقط للنصّ الذي يهب المتعة واللذّة.. النص الذي وجده: “يجعل من الضياع حالة، ويجعل الراحة إرهاقاً، وينسف الأسس التاريخية والثقافية والنفسية للقارئ نسفاً، ثم يأتي إلى قوة أذواقه، وقيمه وذكرياته، فيجعلها هباءً منثوراً، ويظلّ يفعل به كذلك، حتى تصبح علاقته باللغة أزمة”..
هذا عن النصّ الممتع لديه، أما النصّ اللذيذ، فالذي يفهمه القارئ بسهولة، فلا يثير معه أيّ نزاع.
إنه النصّ الذي كان يشعره قريباً منه وحميمياً، بل وينبع منه بطريقةٍ جعلته يعلن: “لذّة النص في تلك اللحظة التي يتبع فيها جسدي أفكاره الخاصة، ذلك لأن أفكار جسدي ليست أفكاري”..
لم تكن المتعة واللذّة التي يستمدّها القارئ من هسهسة اللغة، تعتمدا لدى هذا الفيلسوف على النصّ وحده، بل وعلى ثقافة القارئ.. الثقافة التي كلّما تعاظمت شدّتها، تعاظمت وتنوّعت لذّة النصّ ومتعته.