الثورة – تحقيق – جاك وهبه:
«وصول الدعم لمستحقيه» عبارة من ثلاث كلمات فقط لكنها ترسخت في أذهان ٤ ملايين أسرة سورية حاصلة على البطاقة الإلكترونية أو ما يسمى بـ «الذكية»، وحمّلت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبئاً ثقيلاً لتطرح بدورها عدة دراسات بهدف إيصال الدعم لمستحقيه بالشكل الأمثل، وكان آخرها ما جاء على لسان الوزير عمرو سالم في تصريحات صحفية سابقة من دراسة يتم خلالها تحويل كتلة الدعم إلى مبالغ مالية توزع كرصيد يتم شحن البطاقة الإلكترونية به، وإلغاء المخصصات التموينية على البطاقة ليتم شحنها بالبدل المادي كرصيد يسمح لحاملها بشراء أي مادة موجودة في صالات السورية للتجارة.
إلغاء الدعم
الآلية الجديدة لتوزيع الدعم أثارت الكثير من المخاوف وحذر بعض خبراء الاقتصاد من انعكاسات تطبيقها معتبرين أنها خطوة أولية على طريق إلغاء الدعم كلياً بعد عدة سنوات، كما أنها ستؤدي إلى رفع أسعار السلع المدعومة إلى مستويات تفوق قيمة الدعم النقدي الذي ستحصل عليه الأسر المستفيدة لشراء هذه السلع.
سوق سوداء
الأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش بين في تصريح خاص لـ «الثورة» أن وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك تطرح في كل فترة ما تسميه آليات وخططاً جديدة في هذا المجال، لكن هل نجحت هذه الآليات في تحقيق الأهداف المرجوة منها؟، مثال ذلك تجربة الاعتماد على معتمدي الخبز التي لم تنجح في تخفيف الهدر والفساد، مضيفاً أن البطاقة الإلكترونية تسببت بطريقة أو بأخرى توفر المواد المدعومة في السوق السوداء بأسعار باهظة جداً.
نصفه للخبز
وأوضح الدكتور عربش أنه وبحسب التصريح الأخير للوزير سالم فإن مبلغ الدعم المرصود في الموازنة العامة للدولة للعام القادم والمقدر بمبلغ 5 آلاف مليار ليرة سيوزع كرصيد على 4 ملايين أسرة حاصلة على البطاقة الإلكترونية، ومن خلال حسبة بسيطة ستكون حصة كل أسرة من هذه الأسر مليوناً و250 ألف ليرة سنوياً في حال تم توزيع مبلغ الدعم على عدد البطاقات الإلكترونية، وإذا افترضنا، والكلام هنا لعربش، أن متوسط عدد أفراد الأسرة في سورية هو 5 أفراد يكون بذلك نصيب كل فرد 250 ألف ليرة سنوياً من مبلغ الدعم المقدم، وتحتاج كل أسرة (5 أفراد)، إلى حوالي 12 ربطة خبز أسبوعياً، وفي حال كان سعر ربطة الخبز ألف ليرة فقط، فإن كل أسرة ستدفع سنوياً ما يقارب 625 ألف ليرة كفرق سعر لمادة الخبز وحدها، أي ما يعادل نصف قيمة الدعم إذا وزع بشكل عادل فعلاً.
المنفذ الوحيد
وتساءل عربش عن نقطة أساسية وهي لماذا سيتم الشراء حصراً من المؤسسة السورية للتجارة ؟! وقال: «يجب أن نفهم حقيقة هذه المؤسسة فالجميع يعرف حجم الهدر الموجود فيها، فمعظم صالاتها مؤجر أو مستثمر من قبل القطاع الخاص فلماذا يجبر المواطن على الشراء منها، علماً أن عدداً كبيراً من السلع المتوافرة لديها ذات جودة منخفضة، كما أن السلع ذات العلامات التجارية المعروفة والأكثر استهلاكاً من المواطن السوري تكون أسعارها في صالات السورية للتجارة أعلى مما هي عليه في السوق العادية وهذا الأمر لن يخلق منافسة».
موجة كبيرة
ويعتقد الأستاذ في كلية الاقتصاد أن توزيع الدعم النقدي على البطاقات الإلكترونية سيؤدي إلى تحرير أسعار المواد المدعومة ولا سيما المشتقات النفطية وبالتالي سيتحمل المواطن دفع مبالغ تتجاوز قيمتها حصته من هذا الدعم، إذاً نحن أمام موجة كبيرة من ارتفاع الأسعار بحيث يتعذر إيقافها لأنه رغم ذلك لن تتوفر المشتقات النفطية بالكميات اللازمة لاحتياجات الاقتصاد السوري وستنشط السوق السوداء ويطلق لها العنان بشكل أكبر.
تحقيق شرطين
وفي المقابل بين أحد الخبراء الاقتصاديين الذي فضل عدم الكشف عن اسمه أن الدعم النقدي يكون أفضل من العيني في حال تحقيق شرطين، الأول أن يكون هناك قاعدة بيانات يتم من خلالها تحديد المستفيدين من الدعم بشكل دقيق مع كيفية إيصال هذا الدعم بالشكل الأمثل، أما الشرط الثاني الذي لا يقل أهمية عن الأول فيتمثل بضمان السيطرة على الأسواق بما يحول دون تمادي التجار برفع الأسعار ما يحرم الحاصلين على الدعم النقدي من ميزة هذا الدعم، وأنه حال تم تطبيق هذين الشرطين، بحسب الخبير الاقتصادي، فإن تطبيق آلية الدعم النقدي سوف تقضي على أي عملية تلاعب في إنتاج رغيف الخبز وتوزيع المواد التموينية كما أنها ستخفف من أعباء أجور النقل والتخزين واليد العاملة التي تتحملها الدولة لإيصال المواد المدعومة لمستحقيها.
شراء ما يريد
بدورنا قمنا بنقل هذه المخاوف والتساؤلات إلى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، حيث بينت أنه تم الانتهاء من دراسة القرار الجديد ويناقش حالياً في اللجنة الاقتصادية، ورؤية الوزارة تتمثل بدفع قيم نقدية على البطاقة الالكترونية الخاصة باستلام المواد المدعومة (الرز والسكر)، ومن خلالها يستطيع المواطن الحصول على ما يريد من المواد المتوافرة لدى صالات المؤسسة السورية للتجارة بما فيها الخبز الذي يتم الحصول عليه من الأفران التابعة للمؤسسة السورية للمخابز.
إنهاء الفساد
وقالت الوزارة في ردها: «لا يمكن القول إنه تم تحويل الدعم من عيني إلى نقدي حيث إن المواطن لن يحصل على مبالغ مادية وإنما على قيمة نقدية ضمن البطاقة الإلكترونية للحصول من خلالها على المواد العينية المدعومة»، مشيرة إلى أنه تم حصر الشراء من صالات المؤسسة السورية للتجارة لأن المؤسسة مربوطة الكترونياً وتتوافر لديها أجهزة البيع وأسعارها مضبوطة، إضافة إلى أن حامل البطاقة لا يستطيع استبدال قيمة البطاقة بالبدل النقدي إنما بالمواد المتوفرة لدى صالات المؤسسة حصراً مما ينهي حالات الفساد التي قد تحصل في حال تم السماح له بالشراء من أماكن أخرى.