الثورة – سلوى إسماعيل الديب:
بعد السوسن البري وأحلام الذئاب ومجامر الروث والعديد من الأعمال الروائية للأديب عبد الغني ملوك يطل علينا بعمل روائي جديد بعنوان ” سيرة آل الحكمدار”، يتسم العمل بالبساطة كعادته والقرب من الناس، نلمس الواقع بأفراحه وأشجانه، من خلال العمل، وبقراءة بسيطة في عمله.
يجذبنا بداية قبل الدخول في متاهات العمل الأدبي صورة الغلاف التي تحملك عبر الزمن، لأيام الثورة السورية الكبرى، من خلال جندي يلبس الملابس العسكرية ويعتلي صهوة حصان عربي أصيل، يمثل المحتل العثماني الذي استباح الأرض والعرض، ويرتمي تحت نعال فرسه أنثى، يحاول اغتصابها واستباحتها بطريقة وحشية، كما استباحوا بلدنا لمدة أربعة قرون من الزمن، تخلل صورة الغلاف مشهد صراع ربما على البقاء أو الحرية وربما الاثنين، أما معنى عنوان الرواية “سيرة آل الحكمدار” فهي كلمة تركية من أصل عربي تعني حاكم الدولة، وكعادة أغلب الأدباء ذَكرَ الروائي نبذة مختصرة عن مسيرة مع صورة صغيرة له على صورة الغلاف الخلفي للكتاب.
وعند الغوص في لب الحدث نرى أنها قصة بوليسية تدور أحداثها حول جريمة قتل، تتسم بالغموض مع كثرة المشتبه بهم، تتحدث عن فترة من الحكم العثماني على سورية، يقوم ملوك بأخذ عينة من أزلام العثمانيين ورجالاته، ووصف ما كانوا يمارسونه من ظلم وإرهاب على السوريين وخصوصاً طبقة الفلاحين، من خلال جريمة قتل لسيدة تسعينية من أصول تركية، ويسلط الضوء على آلية بحث المحقق في مذكرات المغدورة التي كانت لسان عصرها.
تميز الروائي “ملوك” بأسلوبه السردي البسيط الرشيق ومفرداته القريبة من القارئ، ولا ننسى أسلوبه المميز بإثارة القارئ وجذبه، تدور أحداث العمل ضمن حبكة بوليسية حول جريمة قتل امرأة من سلالة عائلة تركية، حيث تتشابك الأحداث لتوجه أصابع الاتهام على العديد من الأشخاص، ويتضح فيما بعد أن المغدورة ابنة الخطيئة، خطيئة الباشا مع فتاة فلاحة، كانت تخدم في منزله لتحمل منه سفاحاً، وتنجب فتاة، ثم يأخذها الباشا، ويطلق عليها اسم خانم، وتربيها سيدة المنزل تكفيراً عن خطيئتها التي اقترفتها بحق زوجها الباشا..
نرى الكاتب في بعض الأماكن ابتعد عن محور الحدث وهي الضحية والجريمة ليغرق في مذكرات الراحلة من أحداث تاريخية لهذه العائلة في مجملها توحي بعمالة وازدواجية المواقف وأشباهها فهم حلفاء كل غاز للبلاد وأزلامه برغم محاولاتهم إظهار العكس ودخول صفوف البسطاء من خلال الأحزاب أو أي عمل يقومون به بدهاء الثعالب ليعتلوا الكراسي ويتصدروا المجالس، وإذا تعمقت في الأسماء ترى أن لها بعداً.. فإطلاق اسم خانم على الضحية محاولة لطمس جذورها المزدوجة بين الفلاحة والباشا ليغلب عليها الأصول التركية.
ونراه قد أطلق على الدكتور المختص بعلم الاجتماع والتاريخ اسم وهيب لما يحمله من موهبة وفراسة
فتميزت كنايات أسماء الفلاحين بالغرابة مثل عامر البغل وأحمد شبق، بعكس أسماء الأسر التركية فكانت تقليدية مثل: الباشا عبد المجيد، ومصطفى، وآل الحكمدار والسلحدار.
العمل الأدبي يدل على الثقافة السياسية العالية لملوك، وقدرته التحليلية للأحداث في تلك المرحلة، يتناول ما جرى على لسان أبطال عمله من كل الطوائف، ليكون العمل أقرب للتوثيقي، حيث يوثق العديد من الأحداث التي يعرفها القاصي والداني ممكن يقطن مدينة حمص.