الثورة – هفاف ميهوب:
إنَّ كان ما يشغل العالم، وبكلّ ما فيه من باحثين ومختصّين ومثقّفين، العولمة وما أحدثته من تغييرٍ في الاقتصاد والسوق والتجارة، إلا أن ما يشغل الكاتب والمفكر الفرنسي “جيرار ليكلرك” هو العولمة الثقافية”.. العولمة التي لم يسعَ لمحاولة فهم معناها العالمي وتاريخها الكوني، إلا لمعرفة بُعدها الثقافي العالمي، وانعكاساته على الجوانب الاقتصادية والسياسية والاجتماعية..
هذا ما شغل “ليكلرك” في “العولمة الثقافية”. الكتاب الذي وجده: “مجرّد حصاة صغيرة وسط اللعبة الكبرى.. “الجيوسياسية” التي تشغلها القوى والمشاعر المتطرّفة”..
هذا ما شغله وتناوله في كتاب، بدأه بتقديم تاريخ أوّلي للعولمة، عبر إشارته إلى الحضارات القديمة، المنغلقة والمنعزلة.. بعدها، يدخل في سيرورة هذه الظاهرة، منطلقاً من العلاقات المتقطّعة التي قامت بين مجتمعات مختلفة ومتباينة ومتصارعة.. علاقات بدأت بين حضارات اكتشفت بعضها وتطوّرت أو تحلّلت، أو استوطن سكانها في بلدان أخرى، وقد تمّ التواصل والتبادل بين هذه الحضارات، عن طريق “طريق الحرير” و”طريق التوابل” و “الاكتشافات الكبرى” و”الوكالات التجارية الأوروبية..
يبدأ بتناول كلّ هذا، لينتقل وبعد الحديث عن التقارب بين الحضارات، إلى الحديث عن صدمة الحضارة التي شكّلتها الإمبريالية، وما تبعها من استعمار، وما نجم عنه من تحولات اقتصادية وتقنية وثقافية.
إنه ما يمهد به “ليكلرك” للحديث عن العولمة الثقافية العالمية، وعن اندماج الثقافات وحوار الحضارات الذي كان بفضلِ المثقفين والمستشرقين، ورحلات المبشّرين، وسواهم ممن لعبوا دوراً كبيراً في هذا التحوّل الحضاري العملاق، الذي أدى إلى إزالة الحواجز بين المجتمعات، والانفتاح على الآخر، وإلى حوار المثقف الغربي مع المثقف العربي، وبالتالي صنع ثقافة جديدة، وبناء حضارة كونية، عالمية وشاملة.. حضارة إنسانية قائمة على المحبة والتسامح، بكل أدبياتها ودياناتها واتجاهاتها ورؤاها وتطلعاتها..
كل هذا، أودعه في متحف خياله، منتظراً هيمنة الأخلاق الإنسانية الثقافية الكونية العالمية، ليس في ذاكرته فقط، بل قي ذاكرة التاريخ الذي لا يزال يراه:
“التاريخ شيءٌ آخر غير ذاكرة الجماعة، حتى لو كانت من الاتّساع، بحيث نطلق عليها اسم حضارة.. التاريخ العالمي هو تاريخ الإنسانية، ومن أجل الإنسانية..
يعارض هذا التاريخ كلّ حضارة تحاول الهيمنة، وتلعب دور الإطفائي، بل دور “رجل شرطة العالم”.. إنها العالمية التي يسيطر عليها الآن مركز وحيد.. أميركا ولكن.. كَم من الوقت ستبقى هذه السيطرة؟!!”.