عام جديد نزينه بالأضواء والاحتفالات، واستقباله هو العيد الذي يحتفل به العالم أجمع.. هكذا اعتدنا، وهكذا يسير بنا الحال ونحن نسلم الآمال، والأحلام إلى ما هو قادم من الأيام. والحق في الفرح مكفول لكل إنسان مادام ينعم بنسمة الحياة.. إلا أننا ونحن نقلِّب في صفحات دفتر الزمن لعام مضى نجده مكتظاً بالأخبار، وبالأحداث الكبار فنحار هل نفرح، أم نحزن؟ هل نحاول أن ننسى، أم أن نتناسى؟ أم أن نفتح أعيننا واسعاً لنتطلع إلى الآمال المعلقة على أهداب المجهول؟ أو أن نقف لنسأل لماذا العالم باتت تضطرب منه الخطوات هكذا لتتعثر في حروب، ونزاعات، وصراعات مستعرة، بل لماذا يفسد مناخ الأرض ليجد نفسه في مواجهة كوارث بيئية، وتوابع اقتصادية، وتغيرات مناخية ترفع من حرارة الأجواء، وأوبئة تترصد أن تُفتح لها الأبواب للانتشار، ودموع تسكبها مآقي الغربة عن الأوطان، وألف لماذا ولماذا تنتظر الجواب من الوجدان؟
نعلم أن الحضارة كلما صعدت في سلمها وارتقت نحو الأعلى فالأعلى كلما استقرت أوضاع الإنسان، وبات العيش في ظلها أكثر هدوءاً، وسلاماً، واستمتاعاً بالمنجزات المتطورة، وإقبالاً على الحياة التي تبدو أكثر اكتمالاً مع ما يحققه العلم من اختراعات، وابتكارات هي في المحصلة لصالح البشرية جمعاء.. إلا أن تناقضاً سافراً يهبط فوق الرؤوس كالصاعقة عندما تتصادم مصالح البشر، وتلتهب سماواتهم بالغضب الأحمر كالنار.
هكذا أصبح حال العالم اليوم، ونشرات الأخبار تتفجر بالأحداث، والأخبار العاجلة، وما ينفق من أموال لصالح الخلاف، والاختلاف يفوق بأضعاف أضعاف ما ينفق لرتق ثقوب الفقر، والاحتياج، والعوز في ثوب الشعوب، والمجتمعات، ومشكلات البطالة، وشح الموارد تعبر القارات فلا تستثني أحداً من نقصٍ ما، أو احتياج.
والناس إذ يزينون شجرة الميلاد الزمردية بالهدايا، وبالكرات الفضية، والنجمات الذهبية وهي الرمز الذي يشع بالمحبة، وينثر الفرح، إنما يعلقون معها على الأغصان آمالاً يغلفها التفاؤل.. وعسى أن يعوضنا عام جديد عما فقدناه في عام مضى، وانقضى، وعما مر من ضوائق، وأزمات فلا تكون لها امتدادات.
نحتفل، نمرح ونضحك، ونغني، ونرقص، والصغار يكتبون في رسائلهم عما يريدونه من رجل العيد الذي يأتيهم بالهدايا، ولا نسألهم هل يطلبون دمية، أم كتاباً، أم حياةً كريمةً دافئة؟ فلكل منهم أمنياته.. وتضج صفحاتنا الاجتماعية بالتهنئة، فللعيد طقوسه، وعاداته التي تبهج، وتأتي معه، وتغطي على ما مر من الأحزان، والعقبات. ولو تقطعت السبل للقاء الأحباء في مناسبة هي على رأس الاحتفالات فلا بأس من لقاءات افتراضية تهدئ من حسرة الفراق، وتختصر المسافات بما تراه العين من صورة، وتسمعه الأذن من صوت، أما القبلات فهي مؤجلة مع الأحلام لموعد لاشك أنه آت.. فمع كل نهاية هناك بداية جديدة.. وها هو عام ينتهي بكل ما كان قد جاء به مما يعكر صفو العيش ليأتي آخر جديد نفتح له القلوب، ونستقبله بأذرعٍ مفتوحة لعله يجلب معه الخير القادم.
وأزاهير بيضاء نقية كالثلج الذي يهطل من السماء ننثرها فوق خارطة الأوطان بالحب، والوئام، لنزرع البسمة مكان الدمعة، والفرحة مكان الغصة، وتبقى بروق الأمل تلتمع في القلوب، وفي شوارع المدن، وعلى أوراق الشجر، ومع قطرات المطر، وفي الحلم المزروع في الأحداق.
السابق