خميس بن عبيد القطيطي- كاتب من سلطنة عمان
المبادئ الإنسانية والأخلاق هي الأساس في العلاقات الدولية لكنها للأسف لم تول الأهمية في التطبيق السياسي للكثير من دول العالم التي انحازت نحو مصالحها وتحقيق أجندتها السياسية، ولو كان ذلك على حساب المبادئ الإنسانية والقانون الإنساني الدولي، وهناك الكثير من الأمثلة السياسية التي عبرت عنها تلك السياسات المزدوجة، لذلك فقد مورست سياسات الحصار والعقوبات الاقتصادية وحدثت تدخلات عسكرية متعددة من قبل قوى دولية ضد دول أخرى بناءً على ذرائع باطلة لتمرير أجندة سياسية معينة.
العلاقات الدولية غالباً ما تنحاز نحو المصالح وتتنحى بعيدا عن القيم والمبادئ الإنسانية، إلا أن بعض الدول سجلت علامات مضيئة في علاقاتها الدولية، حيث اعتمدت المبادئ الإنسانية وطبقتها قولاً وعملاً في سياستها الخارجية، وسنت تشريعاتها السياسية وفقاً لتلك القيم والمبادئ الإنسانية رغم صعوبة تطبيقها في عالم تسوده المصالح والسياسات المزدوجة، وهذا النهج الإنساني رسم صورتها أمام العالم ورسخ فلسفتها وحدد مسارها السياسي.
سلطنة عمان تعتبر من الدول التي اعتمدت هذا النهج السياسي القويم في سياستها الخارجية ورسخت خطاً ثابتاً يقوم على اعتبار جميع دول العالم أصدقاء، وكرست مفهوم عدم التدخل في شؤون الغير، والحياد الإيجابي وتجنب الحروب والبحث عن سبل السلام، وطبقت العديد من المفاهيم السياسية القائمة على المبادئ الإنسانية والأخلاق الدولية وحقوق الإنسان، واستطاعت العيش بسلام ووئام، وسعت لنشر هذا المفهوم في ربوع الإقليم والعالم توازياً مع منهجها السياسي.. لذا لا غرابة أن تستقطب عمان أنظار العالم إعجاباً بهذا النموذج السياسي الفريد، ولاشك أن هذا النهج السياسي له قواعد راسخة ومتجذرة في البيئة العمانية ومستقاة من الإرث الحضاري الذي تشكل عبر حقب تاريخية طويلة، فتميز نموذجها السياسي منذ عصور قديمة، وهنا يجدر بالذكر قول الرسول محمد (ص) لأحد مبعوثيه عندما عاد إلى المدينة المنورة وقد تلقى معاملة سيئة، فقال صلى الله عليه وسلم: “لو أتيت أهل عمان ما سبوك ولا ضربوك”.. وهناك أمثلة كثيرة وشواهد تاريخية بينت حقيقة النموذج السياسي العماني لا يتسع السياق لذكره، ومنذ ذلك التاريخ والنموذج العماني موسوم بهذه السمات الإنسانية، وهكذا كانت سياسة عمان في مختلف العهود مروراً بعهد دولة اليعاربة ثم الدولة البوسعيدية التي تعتبر أطول الأسر الحاكمة في العالم اليوم، وفي كل حقبة يتجسد ذلك النموذج السياسي الفريد، حتى جاء عهد باني نهضة عمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد طيب الله ثراه، ليكرس ويصقل هذا النموذج السياسي العماني وتتجلى صورته بأبهى حلة وذلك خلال نصف قرن رسم فيه معالم السياسة العمانية ووضع الإطار والمسار لها، واستكمل مجدد نهضتها الحديثة السلطان هيثم بن طارق حفظه الله، هذا الخط السياسي القويم لتنال عمان ثقة العالم بأن تكون هي العنوان الذي يجمع الفرقاء لأنها دائما صادقة مع نفسها وصادقة مع الآخرين، وقد رسخت نموذجا سياسيا حكيما يتمحور على قاعدة المبادئ الإنسانية التي تتقاطع مع المصالح ثانياً.
المواقف السياسية العمانية منذ خمسة عقود تعمل وفقاً لهذه الفلسفة العمانية المعروفة ملتزمة بهذا النهج باحثة عن السلام والاستقرار والازدهار للإقليم والعالم أجمع، فكانت سلطنة عمان هي قبلة السلام للحوار وتقريب المسافات بين الأصدقاء والفرقاء ونالت ثقة المجتمع الدولي ومؤسساته.
*المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم