ديب علي حسن:
في زحمة الإصدارات الشعرية التي تطالعنا كل يوم مجموعات شعرية تشعر أن ثمة خسارة كبرى في الورق والحبر ولكنها أدارت عملا ما.
ولكن لا تطول حيرتك حتى تزول إذ تطالعك مجموعات على قلتها تعيدك إلى أجواء الشعر والدهشة والقدرة على العودة إلى إشعاع الإبداع.
منذ فترة قريبة صدرت عن اتحاد الكتاب العرب بدمشق مجموعتان شعريتان مهمتان أعادتا توهج الذات الإبداعية.
الأولى كانت للشاعر الأستاذ عبد الناعم وقد حملت عنوان: بنكهة الزعتر، وقد توقفنا عندها بمحطة سابقة.
أما المجموعة الثانية فهي للشاعر وليد مشوح وقد حملت عنوان : رحلة السندباد المتعب..
المجموعة بنكهة الإبداع الأصيل والقدرة على اجتراح اللغة الشعرية التي تفاجئ القارىء وتحيله إلى دلالات وسياقات بدورها تطفح بجمر المعاني.
وقد أشار الشاعر مشوح إلى أن هذه القصائد قد كتبت زمنيا ما بين ١٩٨٤ و٢٠١٤ يعني ثمة امتداد زمني كبير ..ولكنك حين تقرأ تشعر أن ثمة خيطا خفيا واحدا يشدها يمسكها..
إنه الألم التعب ..الحيرة في الزمن ..القدرة على التقاط مفارقات كبرى..
في القسم الأول الذي حمل عنوان الباقات يبدأ الشاعر بقصيدة حملت عنوان :تلاش ..
يقول فيها :
لم يبق من لغة كونتني ….سوى أحرف القلقلة..
ومن أحرف أنجبتني سوى عقدة المسألة.
ومن راية ظللتني سوى هذه المهزلة..
ومن صرخة حاصرتني …سوى هائها المهملة
انها سكة الجلجلة ..
وفي نوازع الحنين يجري الفرات عذبا في قصيدته وصية وكأنه يذكرنا بحنين شعراء المهجر : امانا يا …اهيل الدير..
ان مرت بكم صوري على الجدران ملصقة
فقولوا كانت تنتظر ..
لعل قطار غربتنا يعود بحضنه خبر..
لعل ظلام محنتنا ..لو كذبا ..
يطالعنا به قمر..
لعل الجسر يقتدر..
وفي النص السادس الذي حمل عنوان فرات ..يعيش الشاعر أمل العودة إلى الفرات ..
سيعيدني نغم الرباب إلى الفرات..
وتشب في مواجدي
تهمي دموعي مثل امواه الفرات..
حتى العجاج احبه والحر في أحزان الفرات ..
والنادبات ..
ولنساء الدير نصيب في المجموعة ..في قصيدة ديريات
نساء من القصب المر..
يملكن نبع دموع ..يبعن على صفحة النهر جسر شموع ..
توزع بين الخراب وقلب هلوع ..
ومن القسم الأول ايضا نص مترف يرفل بنسيج مختلف حمل عنوان : نخيل ..
ازرع كفيك هنا ..
فدمي أرض
تعرف انت بأني مقتول مثلك..
لا تندم.
قتلوا اهلك ..جاؤوا من صحراء القهر
انفتحت بوابات النار..وقالوا : اخلع نعلك ..
قطفوني من راحات الزمن العاقر ..
إذ لا تثمر فيه الأشجار الثكلى ..
غير الدفلى..
طالعني النخل حزينا من خلل العطش التاريخي ..
فتحت له باب الماء وبئر النفط .
خزائن قارون ..
وقلت له : اني أمضي قبلك
قال ازرع كفيك بدمعي وارحل ..فأنا عطشان مثلك ..
وينتهي القسم الأول بثلاثين قصيدة ليبدأ القسم الثاني الذي حمل عنوان : سوانح ..
يبدأ بالقصيدة التي حملت عنوان المجموعة ..
وتسألني متى أبحرت..من اي الدروب أتيت مشدودا بخيط سراب؟
وامس رحلت عن بوابة الاحزان مخطوفا بلا عينين..
ولابد من الإشارة إلى أن للشاعر مشوح العديد من الأعمال في الشعر والدراسات ..نذكر في الشعر..: الظلال الأربعة للوجه الواحد..
ملصقات على جدران العقل الباطن ..
تمتمات إلى سيدة الحزن والفرح..
ومن شعر الأطفال.
اناشيد المجد
أما من الدراسات ..دراسات في الشعر العربي المعاصر..
وفي النقد
الموت في الشعر العربي المعاصر.