الثورة ـ أديب مخزوم:
افتتح معرض الفنانة التشكيلية سهير رمضان في المركز الثقافي بأبي رمانة، متضمناً مجموعة لوحات بقياسات مختلفة ، ومواضيع متنوعة ، وهي تدمج في بعض لوحاتها بين التشكيل الشطرنجي وأوراق اللعب والأشكال الهندسية، التي تأخذ أحياناً شكل المربع أو المستطيل، في خطوات التعبير عن الواقع الشطرنجي المعاش في الأزمنة الراهنة , وتبني بعض عناصرها ( زهر النرد مثلاً ) على هيكلية الهندسة الفراغية ـ المكعبات، كما نجد بعض العناصر المعمارية القديمة والحديثة والطيور والتفاحة والطربوش ( الذي يرمز إلى الرجل ) وصولاً الى معالجة الوجوه ( منفردة أو مجتمعة في اللوحة الواحدة ) على هيئة رسوم أفلام الكرتون، وذلك في خطوات إيجاد القوة الإيحائية لعناصرها التعبيرية العفوية، بحركاتها المتنوعة، ومساحاتها المتجاورة والمتداخلة ، التي تحددها في أحيان كثيرة خطوط شاقولية وأفقية، مايؤكد النزعة الهندسية في فراغ السطح التصويري ، رغم أن هذا الهاجس ليس نهائياً، كونها تخرج عن السياق التشكيلي الهندسي في بعض اللوحات، كاللوحة التي شكلتها برقيمات متجاورة، ووزعت عليها بعض الكتابات البدائية المسمارية كإشارة إلى ارتباط لوحاتها بالرموز الحضارية الموغلة في القدم وبمعطيات الحداثة في وقت واحد .
هكذا تظهر رموزها التعبيرية التلقائية، التي تروي من خلالها حكايتها مع مشاعرها الطفولية، القادمة من بقايا معطيات ذكرياتها الهاربة والضائعة والمنسية. وفي أعمالها نجد بعض الشفافية، والابتعاد عن الكثافة اللونية، كونها تتعامل مع ألوان الأكريليك، كما أن لوحاتها بعيدة كل البعد عن رسومات المحترف الأكاديمي، وهكذا تعود في كل مرة إلى تشكيل بقايا معطيات أحلام طفولتها المستعادة، والمقروءة في وجوه عناصرها الانسانية بشكل خاص، القريبة من اشكال العرائس والدمى وخاصة في استدارة الوجوه والعيون، وأيضاً في كون هذه الوجوه مرسومة بتدرجات الأخضر والأزرق والأحمر وغيرها وبالتالي لاتأخذ لونها الحقيقي .
هكذا أبرزت سهير رمضان في لوحاتها ، علاقتها المباشرة، وغير المباشرة، بجمالية اللوحة الفنية الحديثة، في حالات تجسيد وجوه الصغار، علاوة على تركيزها لإظهار جمالية أقواس العمارة القديمة وقبابها ونوافذها بكثافة لافتة، تشغل أحياناً كامل مساحة اللوحة .
ومن الناحية التشكيلية تتفاوت لوحاتها القادمة من تأملات حركة العناصر والمشاهد والأشكال ما بين التعبيرية والرمزية، وتبرز تداخلات لونية وخطية مختلفة، في تحولاتها نحو أجواء التشكيل العفوي المتداخل مع خلفية اللوحة بألوان مدروسة ومحددة، كما تهتم بإبرازالمساحات والضربات المتتابعة والمتجاورة، والتي تظهر شاعريتها اللونية، مؤكدة حيوية انفتاحها على جمالية اللوحة الفنية الحديثة والمعاصرة، في تنويعاتها التعبيرية المتقاربة والمتداخلة مع هواجسها الطفولية الحية والمتجددة.
وتطل بانوراما الوجوه المتعددة أحياناً في اللوحة الواحدة، كحالة وجدانية مفعمة بالأحاسيس الطفولية العميقة، وثمة تنقلات في لوحاتها بين حالات التعبير عن أجواء العمارة القديمة والعمارة الحديثة، اذ ثمة رؤى قادمة من رؤية أبراج المدن العصرية. ، كل ذلك برؤية فنية حديثة، أتخدتها منطلقاً في خطوات الوصول الى التعبير الفني المطلوب، وهذا يعمل على التخفيف من حدة ظهور الصورة الواقعية في فراغ السطح التصويري . وهكذا تتجه لإظهار كثافة الملمحين التعبيري والطفولي، والهاجس الطفولي يخفف من حدة المعاناة اليومية المعاشة في الزمن الراهن، كما تبدو أكثر اتجاهاً في بعض أعمالها نحو التبسيط والاختصار والاختزال، وهذه الطريقة التعبيرية المتحررة، من قيود الرسم الواقعي والاكاديمي، تجعل العناصر والأشكال، تتجه لإبراز تداعيات الحالة الداخلية في لمسات الخطوط وفسحات اللون والضوء .
هكذا يظهر الهاجس التلويني االعفوي، كعنصر رئيسي في مجمل لوحاتها، ولهذا فهي لا تعطي أهمية للون ذي المرجعية الواقعية، فوجه المرأة أوالفتاة لا يأخذ شكله أو لونه الطبيعي كذلك موضوع العمارة القديمة والحديثة.
واللمسات والحركات والمناخات اللونية، تكشف في جوهرها عن هواجس البحث عن أسلوب فني يعكس إيقاعات التفاعل والانفتاح على الطروحات الثقافية الحديثة والمعاصرة، ولهذا جاءت التجربة التشكيلية والتقنية في لوحات سهير رمضان، معتمدة على أسلوب التبسيط الشكلي العفوي، فكانت طريقة توليف العناصر بطريقة خيالية ورمزية، أساساً في معالجة اللوحة، إلى جانب إعطاء أهمية أخرى لحضور الخطوط العفوية، التي تساهم في أغناء اللوحة وإظهار قيمتها الفنية والتشكيلية.