الثورة – هفاف ميهوب:
في زمن العولمة والتقدّم التقني الهائل الذي يخيّم فيه الظلام على البشرية، تتخلّى الحداثة عن دورها، وينفصل العلم عن شكله الثقافي، فتتغلغل “الهمجية” في مجتمعاتنا، وتقود إلى الخراب والدمار، وإلى تراجع دور الإنسان والثقافة، وانفصالهما عن الحياة والأخلاق والقيم الإنسانية..
هكذا وصف الفيلسوف والروائي الفرنسي “ميشيل هنري” زمن التقدم التكنولوجي الذي نعيشه، والذي رأى فيه بأننا:
“ندخل في زمن الهمجية.. وهي لست المرّة الأولى التي تهيمن فيها العتمة على البشرية، فقد ذاقت البشرية مرارة هذه العتمة مرات عدّة..”،
انه برأيه زمن الـ “علم بلا ثقافة”، وهو ما اعتبره مشكلة من الضروري التغلب عليها.. طبعاً، ليس على العلم لطالما:
“لا يوجد خطأ أساسي في مفهوم العلم، أو الممارسة والتطبيقات العلمية، إن تمّ تطويعه للأغراض العملية، لكن إذا ما سعى العلم لتقويض أشكال الفن، الأخلاقيات، الجمال، لابدَّ أن نتوقّع معضلات إشكالية خطيرة”..
إذاً، هو يكشف خطورة العلم الحديث والتقنيّة العمياء، عندما يهيمنا على الأخلاق والقيَم والفن والجمال، وسواهم مما يهبُ الحياة معناها وثقافتها، وجدواها الإنساني الماثل على مرّ التاريخ والحضارات..
يسمّي “هنري” ذلك، خراب تفرضه الحداثة على كلّ نشاطٍ أو مظهرٍ حضاري، بل “مرض الحياة” التي يتمّ تغييبها وإنكار نشاطاتها، والتي تنكر ذاتها، فلا يعود لها معنى أو قيمة، ما يقود برأيه إلى صناعة أيديولوجيا علمية، تتعارض مع كل أشكال المعارف البشرية السابقة، لاسيما المعارف الإنسانية والاجتماعية، وهو ما يؤدي إلى القلق وعدم الرضا والألم، في عالمٍ تستلبنا قوانينه وتقودنا إلى الجمود والخمول.
إذاً، لا علاقات بين الناس، لا أخلاق ولا قيم ولا حياة وتواصل، إلا عبر شبكات اتصالات، كلّما ازدادت سرعة الحواسيب فيها، كلّما ازدادت سرعة المعلومة الجاهلة والمفكّكة التي تُطلق عبرها، ما يجعل هذه الحواسيب برأي هذا الفيلسوف، بحاجة لاتّباع دورات تعليمية، وما يجعل سيرورة تطبيع الإنسان:
“سيرورة تطبيع الإنسان، بأشكالها وأقنعتها كافة، هي التجسّد الأخير للشرط القبلي الغاليلي.
الإنسان ليس مختلفاً عن الأشياء”..
