فلسطين لاتنام على ضيم.. هكذا تعودناها تنتفض من تحت الرماد وتوجه رصاص غضبها إلى صدر العدو المحتل لتؤكد له أن ارتكاب المجازر بحق الشعب الفلسطيني لن تزيد الفلسطينيين إلا مقاومة وتمسكاً بأرضهم ووطنهم والدفاع عنه بالدماء.
على مدى عقود مارست قوات الاحتلال الإسرائيلي جرائم إبادة جماعية بحق أبناء فلسطين وعمدت إلى تهويد أرضهم ومقدساتهم وسط صمت وتواطؤ دولي مخزٍ، ولم يبق من مساند لفلسطين وشعبها سوى دمشق ومحور المقاومة الممتد من بيروت إلى طهران، لكن إرادة المقاومة لدى الشعب الفلسطيني لم تنكسر وبقيت قوية تزداد رسوخاً وشموخاً كلما زاد الاحتلال من جرائمه.
منذ بداية العام الجاري وحتى اليوم أكثر من ثلاثين شهيداً فلسطينياً في عمليات قصف وقنص وحشية تمارسها قوات الاحتلال الإسرائيلي ضد أبناء الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وآخرها في مخيم جنين، والعالم يغمض عيونه ويتجاهل جرائم الإبادة الإسرائيلية بحق الفلسطينيين.
لكن مع العملية البطولية التي نفذها الشاب الفلسطيني خيري علقم في القدس المحتلة رداً على جرائم الاحتلال ضد الفلسطينيين في مخيم جنين وأسفرت عن مقتل عدد من المستوطنين الإسرائيليين، بدأت مشاعر الإنسانية الدولية تتفتق لإدانة العملية على مستوى الأمم المتحدة والدول الغربية وبعض الدول العربية التي تتجاهل عمداً دماء الفلسطينيين المسفوكة على أرصفة مخيم جنين قبل ساعات.
عندما تعتقد سلطات الاحتلال الإسرائيلي أنها متحررة ومنفلتة من أية قيود على تصرفاتها وجرائمها بحق الشعب الفلسطيني بعد أن ضمنت الحصانة من المحاسبة والمحاكمة الدولية عبر تطويع واشنطن لمجلس الأمن الدولي وهيئات الأمم المتحدة، عليها أن تعلم أن محاكمتها ستكون في شوارع القدس ويافا وحيفا وفي أزقة جنين وفي قطاع غزة.
إن الأجيال الفلسطينية الشابة التي ولدت في الضفة والقطاع وفي شوارع القدس تحت القصف الإسرائيلي، هذه الأجيال التي تعلمت أن العدو المحتل يخطط ويعمل ليل نهار لقتلها وسحقها وتهجيرها عن أرضها، شاهدت كيف يمنع عن أطفال فلسطين الغذاء والدواء ويقتلع أشجار الزيتون والليمون ويدمر البيوت فوق رؤوس أصحابها لمحو الذاكرة الفلسطينية، هذه الأجيال هي التي ستزعزع الكيان المحتل وتزلزل الأرض من تحت أقدام مستوطنيه الذين لا مكان لهم على أرض فلسطين.
إن رهان الاحتلال الإسرائيلي على مسح الذاكرة الفلسطينية والعربية عن حقوق أصليّة لشعب فلسطين في أرضه، لن يكتب لها النجاح مهما تواطأ العالم ومهما تخاذل المتخاذلون، ففلسطين لاتنجب سوى المقاومين الذين تسري في عروقهم ودمائهم أصالة الشعب المقاوم الذي لن يتخلى عن أرضه ووطنه.
في كل مرة تتفاجأ سلطات الاحتلال الإسرائيلي أن رصاص المقاومين يأتيهم في الصدر، ليس في غزة أو الضفة الغربية فقط، بل هو في كل أرجاء فلسطين، وأن المقاومين منتشرون في كل شبر وزاوية من أرض فلسطين، وأن لا مكان آمن لمستوطن في شوارع فلسطين أو لجندي محتل في أي نقطة عسكرية.
إن درس القدس اليوم وكما الدروس الفلسطينية السابقة ينبغي أن يتعلمها مستوطنو الاحتلال وقياداته العسكرية، أن من كان سلاحه ملعقة يفتح بها نفقاً للحرية يستطيع أن يهزم كياناً مدججاً بالسلاح، وأن الرد الفلسطيني على الجرائم الإسرائيلية سيكون أشد إيلاماً في المستقبل وأن الاعتداءات الإسرائيلية على الفلسطينيين في بيوتهم ومدنهم لن تبقى دون رد، وما على المستوطنين سوى حزم حقائبهم والعودة إلى مواطنهم الأصلية في أوروبا والولايات المتحدة الأميركية.