كانت كفيلة بمنحي فيضاً من رعب.. وربما عمراً بتجميع كلّ لحظات الرعب السابقة إلى بعضها..
تُختزل كلّ سنواتك وذكرياتك.. تجتمع متكومةً ضمن بضع لحظاتٍ فزع خارجة من الزمن.. منفلتةً من أي ضابطٍ أو منطق..
والشيء الوحيد الذي يبدو فعالاً هو غريزة البقاء تشتغل آلياً بينما تتعطّل كلّ شؤون الحياة الأخرى.. تبدو متقزّمةً.. ومتناهية في الصغر..
ليأتيك صوتٌ يعلن مرة أخرى أن ما عشناه إلى الآن لم يكن سوى اختبار على متانة قابليتنا للحياة.. وربما للموت..
كلّ ما عشناه لم يكن سوى تمرين بسيطٍ في مواجهة تمرين أكبر وأكثر شراسة..
سيلٌ من المواقف.. الصور.. اللحظات.. الآلام..
سيلٌ هادرٌ لا يتوقف.. يختزن أوجاعنا التي تأبى فراقنا..
كلّ الكلام.. وكلّ الكتابات لا تمثل ولا واحد بالألف.. ولا حتى واحد بالمليون من الحاصل (الآن وهنا)..
بضعُ لحظاتٍ.. من الرعب
بضعُ لحظاتٍ.. والكثير الكثير من الوجع، والرعب فاق أكبر خيالات السينما.
خلال كلّ محاولاتي لكتم صوت الخوف والرعب الذي تنامى داخلي بسبب الزلزال وارتداداته التي أفزعت عقول وقلوب أبناء بلدي جميعاً، خلال كلّ تلك المحاولات صورةٌ واحدةٌ تكررت داخل رأسي كانت صورة عازفي الموسيقا في فيلم “التايتانيك”.. وكيف استمر البعض منهم بالعزف في أقسى اللحظات..
هكذا قرروا مواجهة ليس الرعب أو الخوف ولا أقسى المواقف أو أبشع الاختبارات فحسب، إنما مواجهة الموت نفسه بالكثير من ضبط النفس..
وكأن كلّ ما اختبرناه خلال سنوات الحرب لم يكن كافياً لتعليمنا ضبط النفس في مواجهة غول الموت..
إنها (غلاوة الروح) التي لا تستمرئ طعم البشاعات ولا محاولات تقليص وهج العيش داخلنا.