الثورة- هفاف ميهوب:
من أين أبدأ الحكاية، والتفاصيل موجعة وممتلئة بالأحداث والصور المأساوية، وبالشخصيات التي احتشدت في قلبِ المعنى، إلى أن استحقّت جميعها، تسليط الضوء على معاناتها وأدوارها البطولية؟!..
لا أعرف من أين أبدأ، فمحبرتي ألمُ ودمُ وأشلاء الإنسان، ولا من أيّ قاموسٍ أنتقي الكلمات التي سبقتنا إليها الفاجعة، وكتبتنا بها بثوانٍ.. كلّ ما أعرفه أنها حكايتي، وحكاية وطني وكلّ فردٍ من أبناء سوريّتي..
هل أبدأ من فجر الوقت الغادر، وساعته التي انهارت وتوارت تحت الأنقاضِ مع أصحابها؟.. أم من إغفاءةِ عيونٍ توسّدت الخطر، دون أن تدري بأن أمطار الليل القارس، ستتحوّل إلى عيونٍ تُغرق البلاد بدموعها..
هل أبدأ من النهاية؟.. لا لن أبدأ، فهي مازالت مشرّعة باتّجاه المجهول، ولا من أحاديث الناس عن هذه الكارثة، التي أضيفت إلى الزلازل التي قوّضت حياتهم، وأحالتهم إلى أنقاضٍ لا شيء يزيل عنها ركامَ الخراب، وإن أزيلَ فآثاره باقية لا تزول..
ربّما عليّ أن أبدأ من تلك الصرخات التي دوّت، ذات صباحٍ داهمه زئيرُ الأرض، فأيقظ عيون المنكوبين.. الأصوات التي تعالت فأرعبت الصمت، بصدى الدمار الذي طال كلّ بيتِ وكلّ ضميرّ وكلّ صباحٍ، يشرق لأجلِ السوريين..
لن أبدأ من كلّ هذا، وسأرى المشهد كما لو كنت معهم، وأعيش لحظات وجعهم.. لحظات ارتعاشاتِ الأجساد التي ترتعدُ مما حلً بها، وتكابدُ بسببِ إغراقها، بالوحشة والعزلة والفقد، وبالخوف مع المطرِ والبرد.. يجمّدها صقيعه والماءِ المهدور من أنابيبٍ محطّمة، فلا تغفو خشية أن ينهال عليها المزيد من الحطام، فتصير وإياه هباءً يتماهى مع ظلمتها الظالمة..
تتقوقع على ويلها، وترنو بذعرٍ إلى ما يحيط بها، لا تدري إن كانت حيّة، فأنين الآه يتعالى، تنزفه حناجر سوريّة..
الحكاية لم تبدأ بعد، فأبطالها كُثر جداً، وأنا لا أجيد العد.. أطفال فُقدِوا أو فَقدوا، أحلام حياةٍ مجنونة، نزفوا بقاياهم والتحقوا، بهذي البقايا المدفونة..
صبايا وشبابٌ ورجال، وأمهاتٌ بلا آمال، فقَدنَ، فُقِدن، افتقدنَ الأمان، تصدّع من قبلِ الزلزال.. صورٌ تتوالى وإنسانها، شظايا الحكاية وجراحها..
لن أكتبها فمشاهدها، ترعب كلماتي ومقصدها.. الأرض قتلت أبناءَ رحمها، يا ويلهم يا ويلها..

التالي