لا يزال صوت الأنين المنبثق من تحت الركام يدوي في آذاننا ويدمي أعماق قلوبنا، فقلة الحيلة في الوصول إلى الجميع أو إنقاذهم.. أثقله من أحمال الفاجعة.. فالتأخر الكبير في إنقاذ الأرواح بسبب ما نعانيه من نقص في الآليات الثقيلة اللازمة لمثل هذه الكوارث أزاد من هول الكارثة.
نعم تنقلب المعايير عندما يتعلق الأمر بالموت والحياة، فكل شيءٍ إلى فناء.. لم يكن هناك حرارة في المكان، رُبّما صفر أو أقل لكنه دفء الإيمان بالقدر، وحيوية الضمائر الباحثة عن فرصة تحيي فيها الضمائر الميّتة خيم على تفاصيل هذه الكارثة.
فلا ذنب لأحد في زلزال فجع آلاف الأشخاص وحولهم إلى منكوبين.. وبالتالي يجب ألا يكون هناك تأخير في إنقاذ الأرواح التي نجت من هذه الكارثة.. فصوت الأنين في مراكز الإيواء والخيم وفي الساحات، وفي بيوت الاستضافة واضحاً.. لا يحتاج لمعدات ثقيلة وإنما يحتاج لإرادة قوية.
لا حاجة لهؤلاء المنكوبين لأفراد وجماعات تقتل الوقت بالتعليقات والآراء التي لا تغني من جوع، خاصة من غير المؤهلين للحُكم في قضايا تفوق قدراتهم ومعرفتهم التي يستقونها من وسائل التواصل الاجتماعي.
هذا وقت المسح على رؤوس المُصابين، هذا وقت إيواء المُشرَّدين، هذا وقت السؤال عن أمنهم وأمانهم واحتضانهم، هذا وقت العمل لمن لا بيتَ يؤويه، وتُقدّم غطاءً لمن لا غطاء يقيه البرد والتشرّد.. وليس وقت الوقوف على أسباب الزلزال إن كان نقص إيمان، أو عقوبة إلهية، فلنترك هذا التقييم لخالق الخلق، الموقف يتطلب إنسانًا يحنُ على إنسان، كي لا تكسر قلوب المنكوبين أكثر.
خرجوا من تحت أنقاض ثقيلة، ولا يعرف أحدهم شيئًا عن أهله وأولاده وأقاربه، لكنهم مُتماسكون رغم مُصابهم الجلل.. مات من مات، ونجا من نجا، والسؤال الآن ما هو الواجب تجاه الناجين، المُتضررين مرتين.. نتيجة الحصار الجائر على سورية ونتيجة الزلزال؟
فهل يتجه التفكير اليوم نحو بناء مساكن حقيقية للمنكوبين، وهل نتخلص من كثرة الفوضى وطرح الآراء والمبادرات العشوائية.. أليست الأولوية الآن حفظ حق هؤلاء بحياة طبيعية.. والمسارعة لوضع بيانات وفقاً لدراسات ومسوحات سريعة ومنطقية تسجل أضرار هؤلاء وأعدادهم وحاجياتهم..ألا يحتاج هذا إلى منصة رقمية مختصة بالبحوث والدراسات المتعلقة بكل منطقة تضم بيانات تفصيلية للمنكوبين على جميع المستويات.. كما تضم الجهود والإمكانية التي توفرت والعمل من خلالها ببناء شراكات استراتيجية مع الجهات الحكومية وهيئات المجتمع المحلي والمنظمات لدعم المنصة وتسجيل خطوات العمل فلا يضيع حق أحد من المنكوبين مهما كان نوع الاحتياج.