الملحق الثقافي- فاتن دعبول:
لايزال الجدل مستمراً في الأوساط الثقافية والفكرية حول مصير الكتاب الورقي في ظلّ انتشار ورواج الكتاب الرقمي الذي يتمتع بسمات من أهمها، سهولة تداوله في كلّ زمان ومكان دون عناء أو تكلفة مادية، ما جعل الإقبال عليه يبدأ بالتزايد حتى إن بعض الناشرين وجدوا في النشر الرقمي وسيلة جديدة ومتاحة في ظلّ التحديات التي تواجه الكتاب الورقي.
وفي ظلّ هذا الجدل بين مؤيد للكتاب الرقمي ومعارض له، يرى المدافعون عن الكتاب الورقي أنه الأقوى حضوراً لما له من علاقة حميمية مع عشاق القراءة، فملامسة الورق ورائحته تخلق عندهم شيئاً من التعلق والعشق، وهذا ما يفتقر إليه الكتاب الرقمي رغم انتمائه إلى مناخ حضاري جديد يواكب ثورة الاتصالات الرقمية.
وللوقوف عند واقع الكتاب الورقي والإلكتروني وهل هما في ميدان التكامل أم التنافس، كان اللقاء مع قحطان بيرقدار مدير منشورات الطفل في الهيئة العامة السورية للكتاب، ورئيس تحرير مجلة أسامة.
-فهل حقاً سيحتل الكتاب الرقمي مكان الكتاب الورقي، وما هي أهم سماته؟
يقول:
— يأخذ الكتاب الرقمي» الإلكتروني» حظّه من الانتشار يوماً بعد يوم، سواء في العالم العربي، أم في العالم عامة، بما في ذلك الغرب، وقد ساعد في انتشاره عدد من المنصات الإلكترونية المتوافرة على شبكة الإنترنت، التي تروج له وتتيحه، إما مجاناً، وإما بأسعار منخفضة نسبياً إذا ما قورنت بأسعار الكتب الورقية حالياً، وهذه سمة من سمات الكتاب الرقمي أن سعره منخفض قياساً بسعر الكتاب الورقي الذي يرتفع يوماً بعد يوم.
ومن سمات الكتاب الرقمي أيضاً أنه يتاح بكميات وعناوين كثيرة ومتنوعة وبسرعة عالية للجميع في البلدان كلها، بخلاف الكتاب الورقي الذي تغدو عملية انتقاله بين دول العالم صعبة نسبياً ومكلفة وبطيئة، وفيما يتعلق بالرقابة التقليدية المفروضة على الكتاب الورقي، نلاحظ أن الكتاب الرقمي قد تحرر منها على نحو ما، ومن ثم فهو قد أتاح قدراً أكبر من حرية الرأي والتعبير والتلقي» شبه السلبية» في البلدان العربية عامة.
ظروف قاهرة
– ماهي التحديات التي تواجه الكتاب الرقمي؟
–العقبة الكبرى التي تقف في وجه انتشار الكتاب الرقمي، تتعلق بالظروف التي يعيشها بلد ما من بلدان العالم بسبب الحرب مثلاً والحصار الاقتصادي وما إلى ذلك، كما هو الحال في سورية مثلاً، إذ إن سرعة شبكة الإنترنت بطيئة، ولا تساعد كما ينبغي في تعميق التفاعل مع الكتاب الرقمي وانتشاره وتعزيزه بين الناس، إضافة إلى الارتفاع الباهظ لأسعار الأجهزة الإلكترونية الذكية والحواسيب وانقطاع التيار الكهربائي لساعات طويلة جداً على مدار اليوم وعلى مدار سنوات متواصلة.
هذا إلى جانب الظروف الاقتصادية الصعبة التي يعيشها الشطر الأكبر من المواطنين السوريين، التي تجعل المواطن السوري منصرفاً عن الكتاب عامة، سواء الورقي أم الرقمي، إذ إنه لا يستطيع الحصول على كليهما بشكل أو بآخر تحت وطأة أعباء الحياة القاسية التي أصبحت تتمحور بشكل أساسي حول لقمة العيش وما إلى ذلك من حاجات أساسية.
جدلية لم تحسم بعد
-هل حسمت جدلية أيهما الأبقى الكتاب الورقي أم الرقمي؟
–الكتاب الرقمي أم الورقي؟ جدلية لم تحسم بعد، لا نستطيع أن نزعم أن الكتاب الرقمي قد حلّ مكان الكتاب الورقي تماماً، فهذا الأمر لم يحسم بعد، وهناك جدل كبير حول ذلك بين مؤيد للكتاب الرقمي ومعارض له، إن الكتاب الورقي لا يزال مستمراً على نحو ما، وتشهد بذلك معارض الكتاب الورقي التي لا تزال تقام في بلدان كثيرة من العالم بما فيها البلدان العربية، وإقبال الطلبة والباحثين والمختصين على اقتنائه، وعلى الرغم من ذلك لا نستطيع أن ننكر أن الكتاب الورقي يعيش أزمة حقيقية حالياً مع ارتفاع أسعار المواد اللازمة للطباعة من» ورق وبلاكات وأحبار وأحماض وما إلى ذلك».
وهذا ما أدى إلى ارتفاع هائل في سعره، وفي سورية -على سبيل المثال- تزداد المعاناة جسامة في ظلّ الحصار الاقتصادي ومخلفات الحرب، فسورية عامة تعاني من أزمة شديدة في الورق، ليس الورق اللازم للكتاب فحسب، بل الورق اللازم للاحتياجات الأخرى كافة، والمواطن السوري اليوم يفكر في حاجاته الأساسية التي لا يستطيع الحصول عليها، فكيف له أن يحصل على الكتاب الورقي بسعر يتناسب مع قدرته الشرائية.
لغة العصر
– ماذا عن الكتاب الرقمي الموجه للطفل؟
–الكتاب الرقمي الموجه إلى الطفل مهم وضروري جداً، وهو رافد أساسي للكتاب الورقي، ومعزز من معززات ثقافة الطفل، فالأطفال اليوم هم أبناء عصرهم، وهم متفاعلون مع الأجهزة الإلكترونية الذكية ما إليها، ولكن علينا حيال ذلك الاهتمام بالمحتوى المقدّم إلى الطفل تربوياً وفنياً وأدبياً وتعليمياً في ظلّ هذه الفوضى الرقمية الهائلة الموجهة إلى أطفالنا من الخارج ومن الداخل، والتي لا ريب أن الرديء فيها أكبر من الجيّد.
إضافة إلى ما تحمله بين طياتها من غزو ثقافي ممنهج ومن ثم علينا ترشيد استخدام الكتاب الرقمي بالنسبة إلى الأطفال والإشراف عليهم وتوجيههم وهم يتعاطون معه.
الأطفال يطلبون كتاباً ورقياً
– كيف تقيّم تجربة هيئة الكتاب في تقديمها للكتاب الرقمي؟
— بدأ التوجه نحو الكتاب الرقمي في الهيئة العامة السورية للكتاب منذ سنوات عدة عبر إطلاق الكتاب الإلكتروني الناطق الذي نشرعدد جيد منه للكبار وللأطفال أيضاً.
ثم ازداد توجه الهيئة نحو الكتاب الرقمي منذ أزمة» كورونا» عام 2020، وما تلاها من تدهور الحالة الاقتصادية في سورية والارتفاع الهائل في أسعار المواد اللازمة للطباعة، فأصبحت الهيئة تتيح كتبها ومجلاتها ودورياتها إلكترونياً عبر موقعها على الشابكة وعبر صفحتها على» الفيسبوك» ومن ضمن هذه الكتب والدوريات كتب الأطفال ومجلاتهم كمجلتي أسامة وشامة، والسلاسل القصصية الشهرية الصادرة عن مديرية منشورات الطفل في الهيئة، إذ أصبحت متاحة إلكترونياً للجميع مجاناً.
وقد لاقت تفاعلاً مقبولاً من الأطفال واهاليهم، على الرغم من أننا تلاحظ من خلال الرسائل التي تصلنا أن الجمهور عامة، ولا سيما الأطفال، يطالبون الهيئة بتعزيز إصدار منشورات الأطفال ورقياً في المقام الأول، بحيث تصل إلى المحافظات السورية كافة، ويحصل عليها الأطفال جميعاً، وهذا أمر يصعب تحقيقه ربما في ظلّ التحديات المادية التي تواجه الطباعة الورقية.
وتدرس الهيئة حالياً مجموعة من الخطط في سبيل تطوير النشر الإلكتروني وتعزيزه مع الحفاظ طبعاً على الطباعة الورقية حسب الإمكانات المتاحة، ومن الجدير بالذكر أن الهيئة- كما هو معلوم- تقدّم حسومات كبيرة على كتبها ومجلاتها، سواء عبر منافذ البيع التابعة لها، أم عبر معارض الكتاب التي تشارك فيها.
العدد 1136 – 14-3-2023