الثورة – رشا سلوم:
كان الراحل ناظم مهنا واحداً من أكثر الأدباء السوريين شغفاً بمتابعة المشهد الإبداعي العربي والعالمي ومن ثم قراءته برؤية مختلفة تشهد على ذلك مقالاته وافتتاحياته في مجلة المعرفة التي كان يرأس تحريرها حتى رحيله.
وقد انكب في الفترة الأخيرة على إنجاز دراسات نقدية حول السرد.. لم يتح له أن يرى مشروعه يصدر في كتاب.
وها قد صدر الكتاب عن الهيئة العامة السورية للكتاب تحت عنوان:
(الجسد السردي التشاركي)، تأليف: ناظم مهنا.
يرى مهنا أن السرد، بوصفه فاعلية دنيوية شاملة، يحتوي كل فاعلية جزئية أو كلية.
السرد ليس ديانة جديدة أو عقيدة حتمية، بل حقيقة نسبية، لها امتداد زماني ومكاني، وأفق هو الصيرورة النقدية، إذا جاز القول.
اللغة، والحكاية، والسارد، والقارئ، هذه العناصر تتداخل وفق آلية تشاركية، تجعل السرد كأنه كتاب عملاق يبتلع كل شيء، يشبه كتاب “الرمل” الذي حلم به بورخيس!
يحتوي السرد الكلام والصمت، الحكايات والقصص والأحداث التاريخية، والأساطير والعقائد وتاريخ الحضارات، وتاريخ العلم، والحياة اليومية للأشخاص والجماعات، الواقع والحلم.
السرد، هو ثقافة العالم القابلة للقراءة والنقد، التحليل والتركيب والتفكيك.
في هذا الأفق العام للسرد، تندرج مقالات هذا الكتاب، التي قد تبدو جزراً منفصلة ومتباعدة، إلا أنها تنتظم في فضاء السرد وتجلياته
حول تجربته الإبداعية والنقدية كان قد قال في حوار سابق نشرته مواقع التواصل: «كل ما أكتبه من مقال وقصة أو أي جنس كتابي آخر هو طريقة ذات شكل أو أطروحة أو اقتراح في فن القول، أطروحة غير مكتملة وقابلة للنقد أو التصويب، فالفن الذي كتبته على مدى عقود ووجدت فيه رشاقة ومرونة تعبيرية كبيرة أستطيع فيه أن أقول ما أريده هو القصة، وأنا دائم التساؤل حول النوع الذي يعد محتوى مكثفاً ومحملاً بالدلالات، ففي القصص تكون حالة مركزة أو حالات متلاحقة يربط فيما بينها رابط ما، وليست مواضيع، فتتعدد الآراء والحالات لتكون كل منها موضوعاً أو مقولة، والمواضيع ليست مهمة من وجهة نظري، بل النوع الذي يحمل كل هذه الأشياء والمحمولات هو الأهم، وهذا ما يسمونه الأسلوب أو شخصية الكاتب، كان النقد سابقاً يقوم بدور الشرح والتأويل والتصويب، ويتمتع بالوصاية على الكتاب ونصوصهم وحتى على القراء، هذا النوع من النقد القديم لم يعد متداولاً إلا على نطاق ضيق، وبعد أن تغير مفهوم النقد غدونا في حال آخر يطلقون عليه اسم (القراءات)، والنقاد باتوا مشغولين في ابتكار أو التوسع في النظريات الأدبية، ونحن في عصر تعدد القراءات والنظريات الكتابية والأنماط، وانحسرت مركزية النقد، فتحول الناقد إلى قارئ محترف يقدم اقتراحاته ووجهة نظره أو رؤيته الذاتية مشفوعة بنظرية من نظريات الأدب».
كتاب (الجسد السردي التشاركي)، تأليف ناظم مهنا، يقع في 381 صفحة من القطع الكبير، صادر حديثاً عن الهيئة العامة السورية للكتاب 2023.