هفاف ميهوب:
هو ابنها، ويسعى بما امتلكه من عشقٍ لها، للحفاظ على أصالتها، وتوثيق حكاياها عبر لوحاتٍ، تستمدّ ألقها من عمقِ حضارتها.. ابن سورية التي مثلما آمن بكونها «تنتصر دائماً لأبنائها»، آمن بأن لهؤلاء الأبناء «حقّ تقرير ما سيكون عليه مصيرها».
إنه التشكيلي والنحّات «إياد بلال».. الفنان الذي اختار سوريته ملاذه، وإزميله أداة إبداعه، جاعلاً من حجارتها وبرونزها وصلصالها وأخشابها، اللغة الأقوى في جعلها المنحوتة الأجمل، في تعابيرها وكونها:
«كيمياء وتراكمٌ بصريّ وحسّي ونفسي، ومجموع هذه المعطيات تفعل فعلها داخل الفنان، ولها حياتها الخاصة.. داخله تتصادم، تتلاقى، تتآلف، تومضُ.. إنها في وقتٍ ما، ترتفع إلى السطح لتعلن اكتمالها، وتطلب من الفنان أن يجهّز أدواته لتجسيدها، وهنا يصبح لديها حياة أخرى بين أصابعه»..
هكذا أبدع «بلال» في ابتكار حياة أخرى لسوريّته.. لكلّ مافيها ويضجّ بالحياة التي ملّكها لها بأنامله.. الأنامل التي عانقتها بحبٍّ، كفكف أوجاعها ووثّق مآسيها وقساوتها ونزيفها ومعاناة إنسانها.. الإنسان السوري الذي أبقى له مدى من الآمال المسكونة بحقائقٍ، ستبقى لوحاته ومنحوتاته ترسّخها في ذاكرته، مثلما ذاكرة الأجيال التي تتوالى كما إبداعها.
هذا ما فعله بعد أن استيقظ حلمه، الذي سعى لتحقيقه مبكّراً.. حلمُ طفل مشاغب، تنفّس ذات «نيسان» هواء قريته «الشعيرات» في مدينة حمص، وفي بيتٍ وصفه، ثم وصف قريته:
«غمرته السكينة والحنان، وأشجار المشمش والرمان.. بيتٌ حبوتُ واتّكأت على جدران طينه، محاطاً بالرعاية والاهتمام، من قِبل جدّي وجدّتي، وأبي وأمي وإخوتي وأصدقائي..
في مدارس «الشعيرات» قمت بنحتِ أول عمل من الحجر الكلسي.. كانت الغيوم توحي لي بأشكالٍ تتحرّك.. أتابعها فأراها، سمكة تصبح فيلاً ثم تفاحة، ثم رجلاً يتطاول شارباه، وتغور عيناه، فيصبح حصاناً..».
نعم، تحقّق الحلم، لكن، لم يتوقّع «بلال» أن يتطاول ويمتد عبر لوحاتٍ ومنحوتات، مثلما سرت الحياة الأحلى في تفاصيلها، سرت الحياة المسكونة بالحربِ والموتِ والحزن والألم والمآسي حتى في وجوهها.
حتماً هي مهمته.. مهمّة الإنسان والمصوّر والمثقف الذي دلّ على دور الفنان في تجسيد هذه المهمة بقوله:
«على الفنان أن يلتزم بهمومِ وأوجاع وتطلّعات الناس، مثلما بهمومِ وأوجاع وتطلّعات الوطن، وبتجسيده لمقدار انصهارهِ وتمسّكه به، مثلما بمقدار رفضه لكلّ من يحاول النيل من شموخه وكرامته»..