الثورة – رنا بدري سلوم:
عن أمي أحدّثكم، لا تزال على قيدِ الأمل، تقيس بمازورة الأيام أثواب سعادتنا، تخيط لنا من تجاعيد وجهها ابتسامات صباح كي نهنأ، يتقلب مزاجها على وقع ملامحنا. أمي ككل النساء لا تنام حتى تصلّي السلام وتستودع أيامنا، تخاف علينا من سعادة منتهية الصلاحية، فتترقّب الحياة بهدوء، أمي ككل الأمهات والجدّات حقلة قمح مباركة تستعيد حيويتها من خيوط الفجر فتغدق بالحبّ ولا تتعب وبالخير ولا تعتب، تبلسم جراحنا بمسكّنات الكلمات والدعاء حتى نستكين تحت ظلّها.
أستغرب من الكتّاب كيف يقفون عاجزين عن وصف شعورهم بالحديث عن أمهاتهم! ، وأنا أجيد قريحة المعاني بل تسيل شهية الحروف لنظم القوافي ووصف أمي، بدمعي وقلقي وإدمان القواميس على تعريفِ أمي، نبضي الأول وحبري الأول وحبّي السرّي.
عن أمّي أحدّثكم، أخاف أن تعلن الأرض قيامتها كما بالأمس ونصبح تحت ركامها، ولا أجد الوقت لتفسير الأمومة بدلالاتها، آه على تلك القلوب المكلومة كم تفتقد أمهاتها، كيف تعيش بنغصة قلب، تقسو وتكبر بفعل الحرمان من الأمومة حين خذلها الوقت وكل ما حولها قد شاخ وهرم، وحدها الأمومة كجريان الدم كاليخضور والنور ولا شيء سواهما، فقفي يا روزنامة الأيام عند ربيع العمر ودعيني غصناً ليّناً في قلبِ أمّي.
التالي