أديب مخزوم:
تجسد الفنانة التشكيلية سنا أتاسي، شخوص لوحاتها بأسلوب خاص ، شديد الارتباط بذاتها، وضمن منهجية نظامية صارمة بعيدة كلّ البعد عن الانفعالات واللمسات العفوية ، وهي منجزة بتقنية الأكريليك على كانفاس في أكثر الأحيان ، ومرتبطة بفن عقلاني موزون ومدروس ومنفذ بدقة متناهية ، فهي تتعب على لوحاتها، وتمنحها مزيداً من الوقت والجلد والصبر الطويل ولا ترضى عنها بسهولة .
هذا يعني أن سنا أتاسي تعبت على نفسها، وعلى لوحاتها كثيرأ، حتى وصلت إلى ماهي عليه الآن، وهي لم تبق عند ضفاف الصورة الواقعية ، وإنما تجاوزتها نحو دلالات غرائبية ورمزية مفتوحة على بعض تيارات الفن الحديث في القرن الماضي والحالي . ورغم تجاوزها للأساليب التقليدية ( تحافظ على النسب، وتدرجات الظل والنور وسوى ذلك ) فهي في لوحاتها وجدارياتها الواقعية واللاواقعية ، هي التجاوز واللاتجاوز، ليست مسيرة ولا مخيرة، لوحتها هي التي تفرض نفسها عليها، لها عالمها الخاص الذي لايشبه غيرها، والذي رافقها منذ أيام طفولتها ـ على حدّ قولها ـ وتقنيتها التي تحمل ثمرة وخلاصة تجربتها ليست سوى وسيلة لإخراج لوحاتها ،التي أعطتها خصوصية واستقلالية وبصمة خاصة .
في هذا الإطار يمكن القول: إن لها طريقتها الخاصة في توليف الوجوه والعناصر واللباس، الذي يحمل أحياناً إيقاع الغرابة، بتشكيلاته الشطرنجية والبهلوانية، وتداخلها أحياناً أخرى مع الغيوم . لذا يتجه نظرنا للإحساس بأسلوبية خاصة في المعالجة التكوينية والتلوينية ( واللون عندها متدرج بانسجام، ويبتعد كلّ البعد عن العنف والصراخ الذي نجده في لوحات أكثرية الفنانين المعاصرين . وعلى الصعيد التلويني تميل في أحيان كثيرة لإبراز إيقاعية لونية خافتة أو رمادية، كأنها تعبّر عن رمادية المرحلة الراهنة، القاتمة إلى أقصى درجات السواد المطلق والكلي . وهذا لا يمنع من اتجاهها في لوحات أخرى، أو في أماكن محددة من لوحاتها الرمادية، لإظهار إيقاعات لونية زاهية حتى لاتقع في ظلام اليأس، وكإشارة انفلات وانعتاق وأمل بأن يكون غدنا أفضل من حاضرنا المرعب والمأساوي . وهذا على الصعيد التشكيلي، يزيد من إيقاعية الحوار اللوني، ويفسح المجال لرؤية اللوحة منفذة بحساسيات لونية مختلفة ومتفاوتة .
ولوحاتها الجديدة ( بعضها بقياسات جدارية ) زادت قناعتها بضرورة تأكيد خصوصيات بحثها الأسلوبي، وفيها تتشكل هموم لا تحصى وأوجاع لا تنتهي ، وتلك الوجوه البيضاوية أو شبه الدائرية، مستمدة من من ثنايا الأزمنة والحزن ، حيث تستعيدها مراراً في لوحاتها ، وبطريقة تبتعد فيها عن المنطق التسجيلي ، بقدر ما تقترب من الأداء الخيالي والغرائبي والتراثي أحياناً ( في اللباس الفولكلوري أو الشعبي ) .
هكذا تتنقل موضوعاتها بين اللقطات البائسة للعناصر الإنسانية ( وخاصة المرأة منفردة أو مجتمعة ) والتي تبدو وكأنها مكملة للبؤس والعذاب المقروء في ملامح الوجوه وتعابيرالعيون . كلّ ذلك في خطوات تحوير الوجوه ، وإبراز قوة التعبير في ملامحها ، وإيجاد المزيد من الحوار الثقافي البصري، والتركيزعلى اللوحة المرتبطة بقضية الإنسان، في مرحلة الحروب والمآسي والأهوال .
وسنا أتاسي تعمل في لوحاتها ، على تنويع المفردات التشكيلية، وتحركها بصياغات بصرية ، لتكشف أمامنا نتائج اختبارات تجربة فنية، تتعامل مع الرموز، ضمن هاجس إبراز التضاد بين الظل والنور، مع التركيز في كلّ لوحة على حدة، على ايقاعات الألوان المتقاربة وتدرجاتها .
هذه الرؤية الخاصة، في التشكيل والتلوين، التي تعالج بها مواضيعها وأشكالها وخاصة الوجوه، أدّت إلى تغيير نظرتها من الواقعية، نحو إضفاء اللمسات الذاتية، وتبدو في هذه الأعمال، راغبة بالعودة إلى ذاتها، عبرتجسيد موضوعاتها بمنظورمغاير لما تراه العين في الأبعاد الثلاثة .
وهي لا تجعل عملاً يبرزعلى حساب آخر. لأنها تقدم في النهاية لوحة متمكنة من ابتكار نسيج بصري، يؤكد مهارتها التشكيلية التي تزيد من حالات تحسسنا لإيقاعات جمالية حديثة تفسر إحساسها ومزاجها ورؤيتها الخاصة. انه انعكاس اللون على ذاتها، ولهذا نجدها تبحث بشكل يومي عن الانسجام في وضع المادة اللونية، وفي تشكيل الخطوط الرفيعة، والتكوينات الدقيقة، وإظهار علاقاتها المتداخلة داخل مساحة اللوحة.
سنا أتاسي من مواليد حمص، وسكان دمشق، أقامت معارض فردية في دمشق، ولها مشاركات في معارض جماعية داخل وخارج سورية، من ضمنها بعض المعارض التكريمية، التي أقمناها في ثقافي كفر سوسة، ومنذ طفولتها وفتوتها كانت والدتها تصطحبها معها إلى المعارض في مدينتها حمص، وتحضها على الرسم، ولقد برز اهتمامها الكبير بالسينما، وبنوعية معينة من الأفلام الأجنبية، التي تركت تأثيرات واضحة على بعض لوحاتها.