عطلت التعاميم كثيراً من القوانين وفرّغتها من مضمونها، بينما اعتمدتها بعض الجهات المعنية والجهات الرقابية سلاحاً ذا حدين لأنه في كثير من الحالات يوجد تعاميم متناقضة لنفس الحالة، كما يوجد تعاميم مضى عليها عشرات السنين، ولم يتم إلغاؤها رغم أن الحالة التي صدرت من أجلها انتهت وزالت، ولكن كما لم تمت هذه التعاميم عند الحكومات المتعاقبة فإنها تعيش فترة أطول، وربما لا تموت عند الأجهزة الرقابية وحتى يُمكن بعث الحياة فيها من جديد كما حصل مع أحد المفتشين العام الماضي 2022 بإحياء تعميم يعود للعام 1972 يقضي بحصول أي موظف يغادر محافظته على توقيع المحافظ، وكان حينها عبد الرحمن خليفاوي رئيساً للحكومة.
بعض القوانين أيضاً ليست بحال أفضل، فهي مجال للاجتهاد والاستحضار والابتزاز أحياناً كثيرة، ولا بد من إعادة دراسة كل القوانين وتجريدها من الاستنادات الطويلة واقتصارها على مُقتضيات الحالة، فما المبرر للقول بالاستناد إلى القانون رقم كذا لعام كذا، وعلى القانون رقم كذا المُعدل للقانون كذا، إلى آخر القائمة والتي تجعل مُتخذ القرار يضيع بين النص الحالي والتعديلات السابقة التي لم يتم إلغاؤها، الأمر الذي يُسهل حضور النصوص القديمة، ومهما كان عمرها، ومهما كان عدد التعديلات اللاحقة عليها، وذلك لإدانة شخص أو جهة أو ابتزازهما.
خلال السنوات الماضية، ولا سيما المرحلة المُمتدة من 2012 إلى 2019 تم تعديل معظم القوانين والتشريعات، والقوانين التي لم تُعدل بشكل كامل تم تعديل بعض موادها، والتعديلات حصلت على عجل، وخربت في بعض الأحيان تشريعات مستندة الى أمهات القوانين، وكما القوانين صدرت مئات التعاميم للتأقلم مع المستجدات، الأمر الذي راكم تعاميم متناقضة للحالة نفسها، واستمرار تعاميم لحالات لم تعد موجودة أصلاً.
من أكثر معوقات عودة الحياة الطبيعية العامة هو وجود هذه البنية التشريعية والتعاميم والقرارات المتناقضة، وهي من أكثر محفزات الفساد الموجود بهذه الصورة، وكذلك التعاميم والقرارات، وعليه لا بد من تشكيل لجان في رئاسة الحكومة من الخبرات في القوانين والأنظمة لدراسة وإلغاء جميع التعاميم السابقة والمتناقضة والمفرغة للقوانين من مضامينها، مع أن التعاميم هي بدعة وليست نصاً قانونياً، ولا بد من إعادة دراسة القوانين والتشريعات لتتواءم مع الواقع ومتطلبات المرحلة.