رغم العقوبات الرادعة المنصوص عنها في قانون العقوبات بحق الفاسدين والفساد، ورغم القوانين النافذة الأخرى ذات العلاقة، لا تزال وتيرة الفساد ترتفع يوماً بعد آخر بأسبابه ونتائجه وتداعياته على المجتمع والدولة بدل أن تتراجع.
هذا الواقع الذي يقر به الجميع تقريباً يجب ألا نستسلم له ونتركه تحت أي سبب، كونه يخلّف مآسي وكوارث لا تحمد عقباها على الوطن والشعب، لذلك يفترض بمؤسسات الدولة أن تعمل بكل جدية لتشخيص الأسباب التي أدت وتؤدي لهذا الواقع، وأن تعالجها دون تأخير لأن التأخير سيخلف المزيد من الكوارث.
وفي هذا الاتجاه أشير إلى عدة نقاط قد تفيد في تشخيص الأسباب.. فمن خلال متابعتنا لمصير موضوعات وقضايا عامة سبق وأثارها الإعلام الوطني، ووضع التفتيش يده عليها، اكتشفنا عدة أمور أولها: أن التفتيش يتأخر في إنجاز تحقيقاته وإصدار تقاريره حيث يبقى في معظم الحالات عدة سنوات حتى ينتهي من عمله ما ينعكس سلباً على محاسبة المرتكبين وعلى المصلحة العامة.
وثانياً: عدم متابعة القضية أمام القضاء بالشكل الصحيح من قبل الجهة العامة المعنية بالمتابعة، وعدم تقديم الدفوع والوثائق اللازمة كما يجب ومن ثمّ نسيان القضية وبقائها في القضاء لسنوات وسنوات دون وصولها إلى مراحلها النهائية.
وثالثاً: عدم قيام التفتيش بملاحقة الجهة العامة المعنية للتأكد من تنفيذ ما يخصها من القرارات أو المقترحات التي خلص إليها التقرير، وخامسها عدم دقة ومهنية وموضوعية بعض التقارير المعتمدة بدليل تراجع التفتيش عنها بعد طلب إعادة التحقيق بموضوعها نتيجة الاعتراضات المقدمة عليها من المتهمين فيها.
وسادسها أن ثمة حلقة مفقودة في آلية متابعة التقارير التفتيشية وفي العلاقة بين التفتيش من جهة وبين الجهات العامة ذات العلاقة بتنفيذ مقترحات وقرارات هذا التقرير أو ذاك ووسائل الإعلام التي يكون لها الدور الأساس في قيام التفتيش بالتدقيق والتحقيق في هذه القضية أو تلك من جهة ثانية.. وأيضاً ثمة حلقة مفقودة في التنسيق بين المؤسسة التفتيشية والمؤسسة القضائية بعد إحالة عدد من التقارير المعتمدة إليها.
وأشير أخيراً.. إلى وجود نقاط ضعف في قوانين التفتيش ومنها قانون الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش رقم 24 لعام 1984 الذي مضى عليه دون تعديل وتطوير نحو الأربعين عاماً ومن ثم نرى أنه من المفيد والضروري دراسة هذه القوانين وتطويرها بما يؤدي لتدارك الخلل القائم، والمساهمة الفاعلة في مكافحة الفساد.

السابق
التالي