في كل موسم درامي، ومنذ سنوات ليست قليلة، تُعرض أعمال درامية تندرج تحت مسمى “البيئة الشامية”..
أعمال، بمجملها، تسترخي لفكرة “حدوتة” تستهوي استعراض نماذج بشرية ذات حدّين أو ذات بعدين لا ثالث لهما..
رجال مسيطرون، ونساء تابعات أيضاً ظاهرياً..
وضمن هذا الافتراض تنمو وتتشعب مشاهد مكائد ودسائس النسوة اللواتي لا يتنفسن قوة إلا عبرها..
وبطبيعة الحال ستتراكم لدى المتفرجين، لاسيما غير المحليين، في لاوعيهم، صور معروضة عليهم عن دمشق في أعمال تدعي نقل حياة هذه المدينة..
ما يثير الحيرة أن كتّاب هذا النوع الدرامي يتساهلون ويسترخون لحالة سرد “حدوتة” لا غير.. دون محاولة اللجوء إلى شيء توثيقي.
هل كانت فعلاً دمشق كما يفترضون أو يتخيلون..!!
بالطبع كانت أكثر غنى وتنوعاً من كل ما كُتب..
فمدينة ذات بواباتٍ سبع جديرة باحتواء نماذج إنسانية فيها من تدرجات الانتماءات والقناعات أكثر بكثير من حالات التأطير التي قدمتها البيئة الشامية.
وعلى الرغم من كثرة إنتاج هذا النوع الدرامي لن نجد كمتابعين أي ظل لشخصية تشبه (فطوم حيص بيص) سيدة تدير فندقاً ويعمل لديها اثنان من (الشغيّلة: ياسين بقوش وغوار الطوشة) ضمن مسلسل “صح النوم” الذي قدّمه التلفزيون السوري في بداية سبعينيات القرن الماضي..
نموذج نسائي لشخصية درامية تفرض حضورها ببساطة.. لم تقدّم مختلف أعمال البيئة الشامية شبيهاً لها بخفّتها التي أبدع نص نهاد قلعي بخلق مرونتها، ليس وحدها إنما مختلف الشخصيات التي احتوت على نماذج متعددة استطاعت تصوير الواقع/الإيهام بالواقع، أكثر مما فعلت الأعمال التي أُنتجت في العقدين الماضيين..
بذكاء استطاع “صح النوم” نقل نماذج شخصيات متنوعة تنوّع حياة دمشق..
فمدينة ببوابات سبع.. يعني مدينة أكثر قدرة على التنفس.. وبالتالي أكثر انفتاحاً على نماذج حياتية تتمايز عن بعضها بكثرة تباينها وتنوّعها..
مدينةٌ بسبعة أبوابها.. كأنها تُعيد إنتاج حياة وأقدار كل منّا لسبع مراتٍ مضاعفات وأكثر..
تلوّنها وتحتفل بقدرتها على الخلق والتجديد الدائمين..
فلا انغلاق في أفق العيش..
ومن الجميل أن توازيه “لامحدودية” في مختلف تجلّيات الفن التي تصوّر ذاك العيش.