سعاد زاهر:
هل تتوجه ذائقة المتلقي نحو نمطية درامية معينة، أم أن كل هذا الانفتاح الذي نعيشه، يمنع التنميط؟.
في دروب الدراما المتعرجة لطالما نسمع صوتاً إشكالياً ينبع من العلاقة بين صنّاع الدراما والمشاهدين، حتى قبل انتهاء العمل الدرامي، وبمجرد عرض بضع حلقات يتضح أثره على المتلقي.
كما يحدث الآن في مسلسل «الزند» إخراج سامر برقاوي، عن نص لعمر أبو سعدة، ما إن تنطلق حالة درامية مغايرة، حتى يبدأ الحوار بين المشاهدين أنفسهم، ويمكن رصد هنا حالتين عشناها مع مسلسل الزند، الأولى لها علاقة بطريقة أداء وألفاظ بعض الشخصيات مثل شخصية عاصي التي يؤديها الفنان تيم حسن، التي تحكمها حالة درامية معينة، إذ إنها شخصيات وليدة بيئة تستمد لغتها منها، وإذا كانت مهمة الفن الأخذ من الواقع، ومن ثم التصدير إليه، بما يلائم ذائقة جمعية مفترضة، إلا أن الأمر لا يخلو من مقاربات تجعل التماس الشخصية مقلقاً، كما يحدث في العديد من المسلسلات في موسمنا الحالي.
شخصية أخرى تبدو لغتها خاصة بها، باعتبارها معجونة بتجارب تلقفتها من الحياة بحيث صاغت منها شخصية مريم، أو رولا كما كتب على جواز سفرها المزيف، هي الشخصية التي تؤديها كاريس بشار في مسلسل النار بالنار للمخرج محمد عبد العزيز عن نص لرامي كوسا، كلما تتابعت الحلقات نكتشف أنها تمتلك قاموس مفردات خاصاً بها..
ما عرضناه من ملمح بسيط لبعض الشخصيات، فقط كي يودي بنا إلى مسرب ذائقة المتلقي، بكل إشكالياتها في واقع يعيش حالة تشاركية تنسج على مهل ذائقة لطالما أعتقد بعض صنّاع الدراما، أن بالإمكان تنميطها.
ولكن كيف…؟
من خلال الاشتغال على ضخ فضائي طويل يتغذى سنوياً من الموسم الرمضاني، باعتباره وجبة رئيسة، هذا التنميط يهوّن المهمة على صنّاع الدراما، بحيث يصبح لديهم قوالب جاهزة بالإمكان سكب مادتهم الدرامية فيها والقالب يستوعب، أي شكل فني يتم اختياره مع أداء فني بحيث تبدو أبسط حركة إبداعاً وابتكاراً!.
إلى فترة مضت كان الخروج من القولبة مشكلة، ولكن مع كل هذا الانفتاح المتزايد لمواقع التواصل والميل إلى المشهدية السريعة عبر تلك المقاطع التي تنتشر حتى لمسلسلات درامية.
من الواضح أن لا ثبات للذائقة فهي متغيرة، متقلبة، والمشكلة أننا لا نلجأ كي نفهمها إلى استبيانات رأي تحاول فهم ماذا يريد المشاهد…؟
بل يحدث العكس، يقدم للمشاهد الوجبات بناء على ذائقة المحطات العارضة، لتمتلئ الشاشات بأعمال استعراضية تقودنا إلى عالم اللا معنى.
في مواجهة القولبة واللامعنى، بين أيدينا عالم فكري متكامل ومتجدد يومياً، وهو يعين المشاهد على التمرد وعلى تطوير ذائقته بما يلائم اختياره، الأمر الذي يضع صناّع الدراما والمحطات العارضة، وحتى شركات الإنتاج في تحد، ويفرض عليها تغييراً يتسارع مع تسارع العالم التكنولوجي بكل تقلباته.