من جدة.. ترتيب البيت بيد عربية
افتتاحية الثورة- بقلم رئيس التحرير أحمد حمادة
لم تكن عبارات البيان الصادر اليوم عن اجتماع جدة “العربي” بعيدة عن ركائز السياسة السورية منذ اليوم الأول للحرب على سورية وحتى اليوم، فالأدبيات السياسية السورية كانت في كل محطة، من جنيف إلى أستانا إلى كل العواصم التي احتضنت الحوار حول سورية، تؤكد على مضمونها وجوهرها.
وظهر ذلك جلياً بدءاً من ضرورة مكافحة الإرهاب، لأنه يشكل خطراً على أمن المنطقة، والأمن العالمي برمته، إلى وحدة الأراضي السورية، مروراً بعدم السماح بتدخل الغرب بالشؤون الداخلية تحت ذرائع واهية، وصولاً إلى بقية الثوابت السورية التي تدعو إلى رحيل القوات الأجنبية المحتلة كافة، وإنهاء الحصار الجائر والظالم عن الشعب السوري.
اليوم يؤكد وزراء الخارجية العرب، الذين شاركوا في الاجتماع التشاوري لـ “التعاون الخليجي” والأردن ومصر والعراق، على ضرورة دعم كل الجهود المبذولة من أجل التوصل إلى حل سياسي للأزمة في سورية، وينهي جميع تداعياتها، ويحافظ على وحدتها وأمنها واستقرارها وهويتها العربية، ويعيدها إلى محيطها العربي بما يحقق الخير للشعب السوري.
وليس هذا فحسب، بل التأكيد على أهمية مكافحة الإرهاب بكل أشكاله وتنظيماته، وأهمية قيام مؤسسات الدولة بالحفاظ على سيادة سورية على أراضيها لإنهاء وجود الميليشيات المسلحة فيها، والتدخلات الخارجية في الشأن الداخلي السوري، وحل الأزمة الإنسانية في سورية، وتوفير البيئة المناسبة لوصول المساعدات لجميع المناطق فيها، وتهيئة الظروف اللازمة لعودة اللاجئين والنازحين السوريين إلى مناطقهم، وإنهاء معاناتهم وتمكينهم من العودة بأمان إلى وطنهم، واتخاذ المزيد من الإجراءات التي من شأنها المساهمة في استقرار الأوضاع في كامل الأراضي السورية.
ولعل اللافت فيما صدر عن اجتماع جدة هو ظهور ملامح دور عربي لحل أزمات المنطقة بأيدي حكوماتها بعيداً عن التدخلات الأجنبية، ولاسيما الغربية منها، والأميركية تحديداً، والتي عملت على مدى عقد ونيف من الزمن على تحقيق أجندات الكيان الإسرائيلي التي ترتكز على تفتيت المنطقة وتقسيمها وإضعاف دولها وجيوشها واقتصاداتها، فضلاً عن تحقيق المصالح الأميركية من دون أي اعتبار لمصالح شعوبها.
ولا شك أن دمشق، التي كانت على مدى سنوات الحرب عليها، تدعم أي مبادرة لإنهاء الأزمة، هي اليوم مع هذا الجهد العربي، الذي تقوده المملكة العربية السعودية الشقيقة، والذي يحافظ على وحدة سورية ومصالحها الوطنية العليا، وينهي معاناة شعبها من الإرهاب والحصار.
أيضاً فإن ترتيب العرب لبيتهم، ولمنطقتهم، وبقرارهم، وبأيديهم، سيضع حداً لمخططات التقسيم والتفتيت، والحروب العبثية، ومواجهة تحديات التنمية وإعادة الإعمار.
كما سترسخ أجواء الانفراج السياسي في المنطقة برمتها، ولاسيما بعد عودة العلاقات السعودية الإيرانية، فكرة تحصين أمنها واستقرارها بيد شعوبها وحكوماتها، من دون تدخلات الغرب والكيان الإسرائيلي الباحثة عن الفتن والحروب والفرقة والتناحر، فهؤلاء يعتبرون أي تقارب بين دول المنطقة تهديداً لمصالحهم، ولا بد بالتالي من إذكاء الصراعات بينها.
بيان جدة، وقبله كل خطوات التقارب العربي- العربي، والعربي الإقليمي، هي مقدمات ترتيب المنطقة بقرار من أهلها، وهو الأمر الذي كانت تمنعه واشنطن منذ عقود، لأن همها الوحيد مصالحها ومصالح الكيان الإسرائيلي معها، وأداتها لتحقيق ذلك الإرهاب، واحتلال الدول وملئها بالقواعد العسكرية غير الشرعية، ومحاصرة شعوبها حتى ترضخ لمشيئتها، وبث الفرقة والتناحر بين أعراقها.