الثورة – رفيق الكفيري:
على شواهد قبوركم، نرى مشاعل من ضياء وقبساً من نور، وعلى خارطة الوطن نرى قاماتكم، بطهارة الدم عمرتم شموخ الكرامة، وبنيتم أسوار المجد وأعليتم تاج الكبرياء، كيف لا وأنتم الذين أرعبتم الموت وأخضعتم المستحيل، وامتدت رهبة الدماء منكم إلى أبعد المعتدين، كيف لا وعلى كل مفرق درب كتبتم على جدران الزمن وأعمدة التاريخ والخلود.
لغة دمائكم هي لغة الحرية والشهادة وهي أعلى مراتب المجد، فها هي الحرية ترتل قصائد لغتكم.. وها هو المجد يفاخر بانتسابه للدم، شهداؤنا العظام بأي لغة نستطيع تكريمكم وأي قاموس يستوعب تعريفكم، وهل يكفي القول كل الدهر وأنتم خالدون، أيها الشهداء الأبديون، الممتدون في الأزل الواصلون إلى الجنة، لقد كرمكم الله سبحانه وتعالى بأن جعلكم أحياء عنده ترزقون وقد وصفكم القائد المؤسس حافظ الأسد بقوله: “الشهداء أكرم من في الدنيا وأنبل بني البشر” وقال السيد الرئيس بشار الأسد: “لولا دماء الشهداء والجرحى وعائلاتهم الصابرة الصامدة لما حمينا البلاد والدستور والقانون والمؤسسات وبالتالي سيادة سورية، منهم تعلمنا وما زلنا معاني البطولة والتضحية والثبات ومنهم نستمد القوة والقدرة وبعظمتهم ووطنيتهم صمد الوطن، لقد سيجوا بدمائهم الطاهرة حدود البلاد وصاغوا ببطولاتهم أعظم معاني القوة والصلابة”.
هذا هو قدر سورية وعبر تاريخها المفعم بالتضحية أن تقدم قوافل الشهداء قافلة تلو الأخرى إيماناً منها أنه لتكون السيادة مصانة والكرامة محفوظة وعلمها يبقى خفاقاً يطاول عنان السماء فإن التضحية هي الثمن، ومهر ذلك كان على الدوام دماء الشهداء.
ومنذ أن وطئت أقدام المحتلين التي توالت على بلدنا بدأت قرابين الشهداء تتوالى وقوافل الشهداء تسير القافلة تلو الأخرى وكانت النتيجة دوماً انتزاع النصر ودحر المحتلين وتحقيق السيادة الوطنية، أبناء جبل العرب كغيرهم من أبناء شعبنا الأبي في سورية خاضوا معارك عديدة ضد الاحتلال العثماني في منطقة اللجاة وخراب عرمان والشقراوية وقنوات ومفعلة وغيرها، فبعد أن وطد سامي باشا الفاروقي سلطة الدولة العثمانية في الجبل غادر دمشق كي لا يشهد بنفسه بقية فصول المحنة التي أنزلها جيشه في قرى الجبل كافة حيث ألقي القبض عام 1910 على مئات الوجوه والأعيان ونكل بهم وتوفي الكثير منهم وهم في طريقهم إلى المنافي والسجون، وسيق المئات من الشباب للخدمة العسكرية الإجبارية في بلاد الأناضول وأصدرت المحكمة العرفية بدمشق حكمها بالإعدام شنقاً على عدد من مناضلي الجبل وهم ذوقان الأطرش – يحيى عامر- مزيد عامر- هزاع عز الدين- محمد القلعاني- حمد المغوش ونفذ الحكم على دفعتين في شهر آذار عام 1911 في ساحة المرجة بدمشق لتبدأ القافلة الأولى من الشهداء على مذبح الحرية.
وتذكر كتب التوثيق أن عدد شهداء الجبل خلال المعارك التي خاضوها ضد العثمانيين وصل إلى أكثر من 1350 شهيداً وفي معارك الثورة السورية الكبرى 4064 شهيداً، ولم يكن شهداء السادس من أيار الذين لا تزال قاماتهم شامخة تملأ ساحتي المرجة والحرية في دمشق وبيروت، منذ أكثر من مئة عام سوى أولى القوافل التي عبرت على طريق الحرية لتسير عليه جميع قوافل الشهداء في معارك البطولة والتضحية والفداء ضد المستعمر الفرنسي والاحتلال الصهيوني في حرب تشرين التحريرية وفي فلسطين ولبنان، والعراق ضد الاحتلال الأميركي.
وأبناء محافظة السويداء في الماضي التليد كغيرهم من أبناء شعبنا في سورية خاضوا معارك عديدة ضد الاستعمار بكافة أشكاله وألوانه وقدموا التضحيات الجسام من أجل الحفاظ على وحدة الوطن واستقلاله، واليوم أشجار السنديان الضاربة جذورها في أعماق الأرض الشامخة شموخ هذا الوطن، وصخور البازلت التي تحطمت عليها أعتى قوى البغي والعدوان تروي حكايات البطولة والفداء التي يسطرها أبناء الجبل في الدفاع عن الوطن والذود عن حياضه ضد أعداء الوطن.
شهداؤنا العظام هم الذين عرفوا طريق المجد وما رضوا بغيره طريقاً، والذين نظروا بعيونهم أن لا عيش في هذه الدنيا إلا عيش العزة والكرامة، ورددوا بصادق أفئدتهم، قبل أن ترددها ألسنتهم “وطن، شرف، إخلاص”.
وليست الكتب والأوراق وحدها التي تضيق بقصص وحكايا شهداء الوطن الذين ارتقوا إلى العلا وهم يذودون عن الديار، بل الكون بأسره لا يتسع لمن بذل روحه رخيصة فداء للوطن وللأرض والعرض، في عيدهم عيد المجد والخلود، شهداء الوطن وإن غادروا بأجسادهم لكن أرواحهم ستبقى فينا وبيننا تستنهض الهمة والعزيمة لنتذكر دائماً أن تراب سورية روي بدمائهم الزكية ذلك الدم الغالي على جميع الشرفاء، ولن تغيبنا السنون لأننا أغنيناها بالشهادة والشهداء.