لست من أصحاب الأطيان والأراضي الشاسعة الواسعة، وربما كل نصيبي من الأرض لا يصل مساحة دونمين من الأرض الصالحة لزراعة التبغ.. ومع ذلك أشعر بحنين لا حدود له للأرض وللزراعة والفلاحة وتلك الأيام التي كنا نمل فيها من العمل بالأرض من أجل تأمين لقمة العيش وكانت تؤمن بشرف وكرامة.
ومن باب الشغف برؤية المزروعات تكبر وتنمو تحولت شرفة بيتنا إلى حديقة صغيرة تتوضع عليها (أصص وصناديق) تم ملؤها بالتراب وزراعة بعض الخضروات التي يحتاجها المرء وفي مقدمتها البقدونس والبصل والنعناع صحيح أنها لا تكاد تشكل شيئا يذكر لكنها تسد لحظة الحاجة وقسماً مما نريده.
لقد أملنا الزراعة في كل مكان فهل يعقل مثلاً أن يشتري أبناء القرى البيض؟
وهل يعقل ألا تجد في القرية كيلو حليب من إنتاجها وهي التي كانت تغص بـ(الفالوت) من الأبقار؟
لم يكن أحداً يشتري لبناً أو حليباً الفائض يوزع على من ليس عنده وقس على ذلك الكثير من الأمور الأخرى.
ومن باب الطرفة أنني كنت أروي لحفيدتي مريم أني كنت أرعى البقر حتى المرحلة الثانوية فقالت ضاحكة:(إن شاء الله ما صرتم بقراً؟) قلت لها بكل أسف: نعم صرنا كذلك عندما تخلينا عن البقر والزراعة ومحاولة الاكتفاء الذاتي..
وكم يحز بالنفس أن نلهث وراء كل شيء وثمة ما يمكننا أن ننتجه حتى ولو كان قليلاً لكنه يسد رمقاً.. إنها أرضنا صحيح أن التكلفة مرتفعة جداً بسبب السياسات الزراعية غير العادلة لكنها تبقى الأكثر ضماناً والأشهى فمن لا ياكل من زرعه طال جوعه.