هي اللعبة الأميركية القذرة في كل حروبها… التسلل من ثقوب الخيانة لزعزعة الحصانة الداخلية للخصم.. ولأنها روسيا التي حطمت أسطورة السلاح الغربي في عمليتها الخاصة في أوكرانيا..
كان لا بد لمخابرات واشنطن ولندن أن تستحضر التعويذة ذاتها.. الطعن من الداخل وتحضير العملاء في الغرف السوداء فكان زعيم فاغنر اللعبة التي تم تحريكها فوق خارطة المؤامرة على موسكو.. بدا مشهد تمرد الفاغنر وكأنه مفاجأة من عيار حبس الأنفاس للعالم بأن ترتجف اليد الروسية المقاتلة لنظام عالمي جديد وتنهار من ذراعها الداخلي.. لكن المفاجأة الحقيقية هي بأن المخطط الغربي سقط بأقل من أربع وعشرين ساعة خسرت فيها واشنطن رهانها وهرول فيها زعيم فاغنر هارباً خارج البلاد.
المسرحية الاستخباراتية الغربية في روسيا كانت هزيلة لدرجة أن عرضها توقف من المشاهد الأولى و(أبطالها ) انهزموا قبل أن يصفق لهم الغرب أو حتى أن يكملوا الجملة الأولى لزعزعة الحكم في روسيا.. قائد مجموعات فاغنر يفغيني بريغوجين كان أقل غباء من الرئيس الأوكراني فلاديميير زلينكسي واستشعر الخطر فهرب تحت غطاء التسوية الى بلاروسيا فهو الذي يعلم أن متانة الداخل الروسي وقدرات الجيش الروسي الذي يواجه الغرب بأكمله أكبر من أن تضعضعها أقدام الخيانة وخطواتها العشوائية.
لن نقول إن الأحداث التي جرت في روسيا لم تكن خطيرة فنحن اختبرنا في سورية هذه الطعنات والمخططات التي استهدفت الداخل ولكن اللحمة والتفاف الشعب حول الجيش والقائد هي سر نجاة البلدان من أنياب الغرب المتوحش وكذلك في سورية فالشعب الروسي مدنيا كان ام عسكريا وحتى من مجموعات فاغنر استشعر المؤامرة الغربية لأنه يعرف واشنطن وألاعيبها.. لذلك لايبدو أن ما جرى في روسيا يشكل تهديدا استراتيجيا خطيرا بقدر ما يكشف أن الغرب يفشل في مواجهة روسيا في أوكرانيا ويبحث عن طرق وأساليب ومؤامرات لتحقيق اختراق للعملية الروسية من الداخل.. والتمرد المسلح الذي حدث سيجعل روسيا أكثر إصراراً وانتباها وحزما في معركتها مع الناتو الذي يسعى للوصول الى حدودها وتطويقها.
فالمعركة بين روسيا والغرب كبيرة الى حد أنها معركة وجود لواشنطن والغرب والنظام العالمي أحادي القطبية وليست فقط معركة حدود للناتو مع روسيا.. لذلك وأكثر قد تتبع واشنطن كل أساليب الخدع والخيانة والطعن في الظهر الروسية حتى ولو اضطرت أن تضحي بأوروبا بأكملها أوروبا التي قال زعمائها أنهم يتابعون عن كثب أحداث التمرد العسكري الذي قام به الغبي فاغنر.. ولا يبدو أنهم استوعبوا حتى اللحظة معنى أن تقطع روسيا هذا البث الغبي عنهم.
باختصار، فإن الحدث خطير للغاية بكل تأكيد، إلا أنني لا أرى أي سبب للاعتقاد بأن الوضع خارج عن السيطرة، ويشكل تهديدا استراتيجيا. بل إن الضرر، على الأرجح، ربما يكون في صورة بعض النجاحات في الهجوم الأوكراني، أكثر مما لو لم يحدث التمرد. لهذا أعتقد أن التمرد لن يستمر طويلا، ولن يتجاوز الضرر على المستوى التكتيكي.
لكن، وعلى أي حال، فإن روسيا قد تغيرت، وآمل أن يتصرف الرئيس بوتين الآن بشكل أكثر قسوة تجاه الغرب، لأن ضبط النفس، والصياغة الغامضة للأهداف عامل مزعزع للاستقرار، كما أظهرت الأحداث الجارية.