الملحق الثقافي- د. ياسر صيرفي:
لاشكَّ في أنَّ فكرةَ الصِّراعِ الفكريِّ بينَ الثَّقافاتِ هيَ فكرةٌ قديمةٌ لا يمكنُ إنكارها أو الوقوف وراءَ إصبعٍ للاختباءِ منها، وقد حملتْ تلك الصراعاتُ مُسمّياتٍ كثيرةً تختلفُ باختلافِ طرفَي الصِّراع، ولعلّ أهمَّ ما يمكنُ أن يُسمَّى به ذلك الصّراعُ الفكريُّ بينَ الثقافةِ الغربيّةِ والثقافةِ الإسلاميَّةِ هو «الحرب الباردة» التي لن تتوقّفَ إلّا إذا تحقّقتْ فكرة المواءمةِ أو لنقل «التعايش» الذي يُحيلُ إلى ضرورةِ التنازلاتِ لكلا طرفَي الصِّراعِ، وعندها سينتصرُ صاحبُ الفكرِ الصَّالحِ، وينهزمُ حتمًا مَنْ يقابلُه إنْ خالفَ ذلك.
إنَّ مكوّنات أيِّ صراعٍ تتمحورُ حولَ أمرَين أوّلُهما: الفكرُ المعنويُّ، والآخر: الملموسُ المادّي، فالغربُ ومنذُ أزليّةِ نشأتِه يعملُ على محورِ الفِكرِ؛ فعندما يريدُ أن يحاربَ أيَّ أمّةٍ من الأمم – والمسلمون وجهةُ نظرِه الأولى- يعمدُ إلى دراسةِ نفسيّةِ تلك الأمةِ وتاريخِها الفكريِّ بعمقٍ؛ كي ينظرَ إلى أسبابِ النهوضِ، ويرصدَ ثغراتِ الانهيارِ، فيعملُ حينَها على أن يمحوَ الأولى، ويعزّز الثانية، وعندها يضمنُ لكيانِه السّيادةَ والهيمنةَ التي لم يَقصدْ بها محاربةَ الفكرِ الإسلاميّ بمعناه الاسميِّ، بل هو يسعى لمحاربةِ الفكرِ الإسلاميِّ الحضاريِّ الذي جعلَ العقلَ والفكرَ أساسًا له.
ومن المؤكَّدِ أنَّ الهيمنةَ الفكريّةَ والثقافيّةَ للغربِ ستتراجعُ وتتهاوى؛ لأنَّ أصلَها غيرُ طيّبٍ فلن يصلَ فرعُها السَّماءَ، فقد بدأتِ الهيمنةُ الفكريَّةُ الثقافيّةُ عندَ الغربِ من مرتكزِه العلميِّ الذي مفادُه السَّيطرةُ على الطبيعةِ من خلالِ العلومِ المادّيَّةِ، ومن ثَمَّ السَّيطرة على الشعوبِ، وهذا مؤشّرٌ قويٌّ على انهيارِها؛ فالأنانيّةُ والاستعلاءُ ونشرُ الجريمةِ والإبادةُ والتدميرُ ولاسيّما في القرنين الماضيين وعدمُ تركِ الشعوبِ في استقلاليّةِ تقريرِ مصيرِها مؤشّراتٌ على تراجعِ الهيمنةِ الغربيَّةِ في كلِّ المجالات ولعلَّ الفكرَ والثقافةَ غلافُ ذلك التّراجعِ.
العدد 1151 – 11-7-2023