الملحق الثقافي- حبيب الإبراهيم:
عمل الغرب والذي يدّعي التحضّر والمدنية خلال قرون متتالية إلى شنّ الحروب، واحتلال الدول وفرض الهيمنة والتبعيّة، واستنزاف خيرات الشعوب وسرقة ثرواتها وفرض سياستها الاستعمارية ؟ والتي كانت كارثية على الشعوب، ولم تسلم تلك الدول حتى بعد استقلالها وإنجاز تحررها الوطني بفعل الكفاح والنضال والمقاومة، لم تسلم من النتائج السلبية والتبعات المتلاحقة لتلك السياسات وخاصة بعد الحرب العالمية الثانية والحرب الباردة، حيث لجأت دول الهيمنة الأوربية إلى حروب من نوع جديد، أو ما أطلقوا عليها (الحروب الناعمة )من خلال الاختراق المنظّم والممنهج.
باستخدام وسائل وأذرع جديدة تستهدف العقل والفكر والمنظومة الفكرية لهذا الشعب أو ذاك.
إنّ استهداف الهويّة الوطنية والقومية لشعوب العالم الثالث، أو ما يُعرف بالدول النامية ؟يعدّ من أخطر أشكال الاختراق الثقافي، أو الغزو الثقافي الذي يستهدف بنية المجتمعات الثقافية والأخلاقية، وهو أشد خطراً من التبعيّة الاقتصاديّة التي تستهدف بنى المجتمع الاقتصادية والماديّة.
لقد وظّف الغرب كل التقدم والتقنيات الحديثة لتحقيق أهدافه، وضرب القيم الأخلاقية والتربوية، من خلال منظومات تعمل وفق أجندات محددة لنشر افكار وإيديولوجيات لدى الناشئة وأفراد المجتمع مستخدمة وسائل الإعلام من أقنية فضائية، ومواقع إلكترونية وصحف موجهة، ومحطات إذاعية؟ هدفها التضليل وبث الإشاعات المغرضة وفبركة المقالات والصور والمشاهد الحيّة ،و…. هذه الوسائل مموّلة من دوائر استخبارتية غربيّة تعمل وتوظف كل الإمكانات والتقنيات لتشويه الفكر العربي؟ والمبادىء والقيم التي تعدّ موروثاً يحدد الهوية الوطنية والقومية للأمة.
ولم يقتصرالاختراق الثقافي الذي تمارسه قوى الغرب على وسائل الإعلام فحسب، كون الإعلام في الوقت الحالي أكثر انتشاراً وتأثيراً على العقل والفكر والسلوكيات، وخاصة لدى شريحة الشباب وهي الأكثر استهدافاً كونهم يشكلون النسبة الكبرى من السكان ولأنهم أساس التطوير والتغيير وبناء الوطن، تم التركيز على هذه الشريحة الهامة في المجتمع من خلال بث البرامج التي تشتت وقت الشباب وتستنزف قدراتهم عبر برامج الخليوي ووسائل التواصل الاجتماعي من خلال استقطابهم عبر الصورة المشوهة والمعلومة المضللة وجعلهم يعيشون غربة حقيقية عن عاداتهم وتقاليدهم وتربيتهم ومنظومتهم الأخلاقية التي تعبر عن الأصالة والقيم والمبادئ.
وتعمل قوى الهيمنة إلى إعداد برامج متطورة في الإعلام والمعلوماتية ظاهرها إيجابي ومميز لكن في محتواها أفكار هدامة، وتضليل للرأي وتشويه للحقائق، وكما يقولون (دس السّم في العسل ) ؟! بأشكال جذابة وبراقة تجذب الناشئة وتجعلهم يعيشون اغتراباً حقيقياً في مجتمعاتهم ويتحولون إلى عناصر هدامة تأخذها الشائعات إلى مرافىء بعيدة عن قضايا الوطن والمجتمع .
وتسعى مراكز متخصصة لتعميق الاختراق الثقافي وبأساليب جديدة، أساليب تتماشى مع التقنية الحديثة وبث أفكار وأيديولوجيات مثل الحرية، الديمقراطية، العدالة…وربطها بإحداث فوضى في المجتمع من أجل تفتيته وضرب وحدته، وهو ما اصطلح على تسميته بالفوضى الخلاقة، فيتحول معها المجتمع من التآخي والتعاون والتعاضد والتماسك إلى التناحر والتنابذ والاقتتال، وتخريب البنية التحتية، كما حدث في العديد من الدول العربية باسم (الربيع العربي )والذي جاء خريفاً مشوهاً للواقع، عملت قوى معادية إلى تصديره إلى تونس، مصر، ليبيا، سورية، اليمن …تحت شعارات : الحرية، التغيير، الديمقراطية ….
هذه الشعارات كانت غطاء للتدخل الخارجي وبث الفوضى ونشر الفكر الظلامي و….وإحداث شرخ كبير في النسيج الاجتماعي وصولاً إلى تشكيل كانتونات مشرذمة ذات خلفيات إثنية وطائفية ومذهبيّة…
ومن وسائل الاختراق الثقافي تشويه القيم التربوية التي نشأ وتربى عليها أفراد المجتمع من خلال تشويه وتقزيم المناهج التربوية ، والتي هي أساس التعليم وبناء الإنسان، ومحاربة اللغة العربية ووصفها بأنها لغة جامدة خشبية، وتعويم اللغات الاجنبية، والتي كما يقولون عنها هي لغة العلم والتطور والاختراع و…؟!
إذاً المجتمع العربي أمام تحدّيات خطيرة تستهدف الوجود والهوية والانتماء، وبالتالي لا بد من إجراءات لمواجهة هذه الاختراقات في الثقافة والإعلام، في التربية والتعليم، في التاريخ والتراث و….لزيادة الوعي وتحصين الشباب فكرياً ومعرفياً وأخلاقياً وتمتين أواصر وحدته وتعزيز مقومات وجوده واعتزازه بماضيه الحضاري والذي هو نقطة الانطلاق للحاضر والمستقبل …
إنّ مواجهة الاختراق الثقافي بمختلف أشكاله وألوانه ووسائله يتطلب المزيد من التحصين والمواجهة ؟ وهي لا تقلّ عن المواجهة العسكرية، إن لم نقل من أخطرها، وتعزيز الوعي لدى الشباب وربطهم بتراثهم وثقافتهم والتي هي محط اهتمامهم واعتزازهم بهويتهم الوطنيّة والقوميّة.
العدد 1151 – 11-7-2023