الملحق الثقافي-سعاد زاهر:
تلك الطرقات البعيدة التي يصطف على جانبيها أشجار منوعة لطالما حمتهم حين كانوا يصرون على اقتطاع بعض الوقت والجلوس في ظلها لاستجماع أنفاسهم في ظهيرة يوم صيفي حار، ثم الاتجاه نحو المصايف التي لطالما كانت تذهل أروحهم.
بعد المرة الأولى اعتاد أن يطلب كل شيء مشوياً، لطالما أحبت ذاك المذاق الحارق للمشاوي، ولا تدري رغم مرور وقت طويل على هذه الذكرى إن كان يفضلها…؟
لا تستطيع تذكر الأحاسيس التي كانت تتملكها حينها وهي قربه في تلك السيارة الصغيرة، ولن تنسى يوماً حين كادت عتمة الليل تودي بهم إلى أحد الأودية حيث بقيت السيارة فترة تتأرجح إلى أن قفزوا منها بمعجزة…!
وحين أتت عربة نقل كبيرة لتجر السيارة، وأشعلت الأضواء الكاشفة واكتشفت عمق الوادي الذي تأرجحوا فوقه، حتى اليوم لم تتخلص من رهاب المرتفعات.
في الأسبوع التالي سرعان ما كانوا يسيرون على الدرب ذاته، دون أن يخطر ببالهم، ما الذي كان سيحل بهم تلك الليلة…؟
أي ذاكرة يمتلكها العاشق، يا لسرعة ذوبانها، هشة لا يحركها المنطق، ولا تفهم إلا اللغة الخاصة بها.
الغريب في زمن البدايات أنك تعتقد أنك حر، وتشق طريقا نحو السعادة لم يسبقك إليه أحد، ولكن ما إن تقترب من النهاية تقول لنفسك: هل حقا عشت على هذا النحو…؟
هل قطعت كل تلك المسافات والطرقات دون أن أكتشف من كان يجلس إلى جانبي…؟
كيف أهدرت كل ذلك الوقت وهي مقيدة، معتقدة أنها تعيش أزهى أيامها…!
لا تعرف لمن ومتى قرأت هذه الفكرة «أشعر بخيبة شمعة ضحّت بنفسها لتضيء غرفة أعمى» لكنها شعرت بها تماماً وهي تسعى لكسر قضبان المشاعر، سمحت للذكريات بالتحليق، وللمرة الأولى شعرت أنها تستنشق هواء نقي.
كانت جاهزة دائما للحظة الوداع الأخيرة، ولكنها اليوم رغم كل بروفات الوداع، أصبحت فارغة، عديمة اللون، وحيدة في عربة قطار تسير بها بسرعة هائلة الى العدم.
العدد 1151 – 11-7-2023