ثورة أون لاين :
لا أدري، هل ينبغي تقديم واجب العزاء، والمواساة للزعماء والساسة اللبنانيين، وحكومات النأي بالنفس المتعاقبة، حول الأحداث الأخيرة المؤسفة التي وقعت في مدينة عرسال اللبنانية، وما رافق ذلك من عمليات نزوح جماعي "لاجئين"، وذهب ضحيتها-الأحداث- عشرات اللبنانيين الأبرياء بين مدني وعسكري، أم تجب تهنئة الشعب اللبناني، وذات الساسة اللبنانيين، الذين دأبوا، وكانوا على الدوام، يهللـّون ويمجدون ويشيدون بـ"الثورة السورية"، وذلك بمناسبة وصول بشاير "الثورة" إلى لبنان، مع ترديد: "من عرسال هلـّت البشاير"، كما طفق أحد فطاحل "الثورة" الكبار وهو يغني مطروباً: "من حوران هلـّت البشاير"، حين طالت بواكير الإرهاب الأسود الأهل، والإخوة في درعا، وحوران الأبية.
فالمكر والشماتة والتخابث والتذاكي الإعلامي والسياسي غير مـُجـْد، في هذه الظروف المأساوية والأنواء غير الطبيعية والاستثنائية التي تمر بها المنطقة، كما أن المجال ليس بالمطلق مسرحاً للمزاح والهزال، ونار الإرهاب امتدت، وانفلتت من عقالها، ويبدو أن من أشعلها لم يعد بقادر على التحكم بها وإطفائها وباتت تهدد أقرب الحلفاء، وتهز العروش المهزوزة والمتهاوية أصلاً، ممن أوكلت لهم مهمة دعم "الثوّار"، أو النأي بالنفس، وكانوا يتفرجون على النيران وهي تشتعل في منازل الجيران.
ولو جرى الحديث بذات المنطق الثوري الذي مـُلّ سماعه، طيلة سنوات عجاف نكداء، من هؤلاء السياسيين الذين هبـّوا اليوم، ليدينوا "الإرهاب" (الثورة سابقاً)، والذي يضرب ويهدد لبنان بأسره، فينبفي حكماً تأييد هؤلاء "الثوّار" الدواعش الأبطال، في "مطالبهم" المحـِقــّة وهم يرومون الحرية وينتهجون "السلمية" ويريدون فقط "تغيير النظام" وإلى آخر تلك الكليشيهات والخزعبلات "الثورية" التي كانت بعض وسائل إعلامية لبنانية تقذفها في الوجوه، وتلقيها على المسامع صباح مساء.
لكن لو ذهب السياق أبعد من ذلك، توضيحاً، فسيصل إلى أن هؤلاء الإرهابيين الميامين "الثوار" اللبنانيين الذين يـَقتلون، ويـُخرّبون، ويدمـّرون اليوم في لبنان، ويخطفون الجنود اللبنانيين ويجبرونهم على الانشقاق، أمام ذات العدسات التي تبنـّت همروجة "الثورة السورية"، هم امتداد تنظيمي ومن بقايا وفلول وصلب ذات الجماعات الإرهابية المسلحة التي واجهها الجيش الوطني السوري الباسل البطل، وقاتلها بضراوة وببسالة نادرة، وهزمها شرّ هزيمة نكراء، وطهـّر ثرى سوريا من رجسها وشرورها، وطاردها عبر الحدود، فلم تجد موئلاً يذكر لها، سوى هذه الخواصر والبلدات اللبنانية المفتوحة، والهشة، والرخوة، أمنياً، واستراتيجياً، وعسكرياً، لتلجأ لها، ثم لتمارس طقوس "ثورتها" على اللبنانيين المدنيين والعسكريين، بذات السيناريو والنهج "الثوري" والأسلوب الذي مارسته في سوريا.
لا وقت للتشفي، وللعتاب، وكشف الحساب، فهذه النيران الإرهابية لن توفر أحداً مهما تحصـّن واعتلى في الأبراج، وما كان يمكن "تمريره" واللعب عليه بالأمس والاتجار به حتى وقت قريب، لم يعد أحد يقبضه، أو يصدّقه، ويعوّل ويراهن عليه. وبات "الثوار" و"الأصدقاء" ومن في حكمهم يلعبون على المكشوف وقد رموا بكل أوراقهم "صولد" على الطاولة. وما كان يحصل في سوريا منذ سنوات ثلاث خلت، لم يكن تحت أي اعتبار "ثورة" ووفق أدنى المعايير الثورية الحقيقية في علم الاجتماع السياسي، كما لم يحمل هؤلاء "الثوار" الإرهابيون المجرمون المرتزقة القتلة شيئاً من خلق ونبل و وخصال ثوار التاريخ الكبار كغيفارا، ولينين، والمهاتما غاندي، ونيلسون مانديلا، وماو تسي تونغ وهوشي مينه، أو يتشبه، بالنذر اليسير، بسيرتهم العطرة التي تفوح على كل لسان، وتزيـّن صحف التاريخ بأكاليل من ذهب وغار.
سياسة النأي بالنفس، واللعب بـ"الكشتبان" وبالثلاث ورقات، والخفـّة السياسية لم تعد مجدية، وباتت من الماضي، وطواها النسيان، تماماً كهمروجة "الثورة السورية"، ولاسيما بعد أن وصلت النار "الثورية" (الإرهابية)، إلى أثواب وغرف نوم داعمي "الثوار"، و"الأصدقاء" المهللين لهم والمصفقين، والمطبـّلين لهم صباح مساء، في الفضائيات. وبات الانخراط في جبهة واحدة، وموحدة، كتفاً بكتف، مع كل شعوب المنطقة، وحكوماتها، المعنية بخطر "الثورات" (الإرهاب الصهيو-وهابي- التركي الأطلسي)، لمواجهة، والتصدي لأكبر حملة وعملية إرهابية منظــّمة في التاريخ البشري، أكثر من ضرورة وطنية، وأخلاقية، ومحض حياتية، بمعني، ليس من أجل أي شيء آخر، سوى الاستمرار والبقاء على قيد الحياة، وتجنب الفناء والانقراض.
"ثورة سورية" في لبنان؟ ومالووو