لبنان.. «طعنة عرسال الداعشية» حقائق وتداعيات

ثورة أون لاين :

بدأت « طعنة عرسال الداعشية « عندما اطبق الارهابيون المنتشرون في عرسال اللبنانية وجرودها،على المراكز العسكرية اللبنانية (قوى امن داخلي – جيش )، بمساعدة من بعض اهالي عرسال ممن يقدمون للارهاب خدمات مدفوعة الاجر أو يعتنقون مذهبه، واسفر الاعتداء عن خسائر عسكرية فادحة قتلا وجرحا وخطف عسكريين حتى بلغ عددهم 45 مخطوفا منهم 23 رجل امن .

شكل الغدر الارهابي صدمة كبيرة للجيش الذي لم يعتد على مثله وبهذه الفظاعة مذ وجد، ولكن ومن اجل الانصاف والحقيقة نقول بان هذه النتيجة كانت امتدادا طبيعيا لذاك القرار السياسي القصير النظر ان لم نصفه باكثر، قرار اتخذته السلطة اللبنانية التي مارسها ثنائي رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ابان استقالة حكومة الاخير، قرار استجاب لاملاءات السعودية الممثلة بتيار المستقبل الذي رفض دخول الجيش الى عرسال ومنع ملاحقة المعتدين على الجيش وقتل اثنين من رجاله (الرائد بشعلاني والرقيب زهرمان)، والكل يذكر كيف قام يومها تيار المستقبل بتشكيل وفد من جماعات ما يسمى 14 اذار ارسله الى عرسال ليؤكد تضامنه ودعمه لها في وجه الجيش وليفرض تفاهما يقضي بانتشار عسكري شكلي يلائم المسلحين في البلدة يتمثل باقامة مركز لقوى الامن الداخلي في داخـــلـــــها‏

وابقاء الجيش في خارجها دون ان يكون له الحق بالقيام باي مهمة عسكرية امنية او عملانية فيها .‏

شاء تيار المستقبل من هذا «التفاهم» انتاج بيئة ملائمة للارهاب ضد سورية عبر تحويل عرسال الى ملاذ آمن للمسلحين ومكان استرخاء وتموين وتجهيز لوجستي لهم بعيدا عن المراقبة الرسمية الجدية، كما وبعيدا عن امكانية التدخل العسكري السوري، اذ تولت السلطة السياسية في لبنان التصدي الفوري والمباشر والفظ احيانا لاي عمل عسكري سوري يرمي الى ملاحقة الارهابيين في منطقة عرسال حتى ولو كان الامر مقتصرا على قذيفة من هاون تقع على خط الحدود غير المعروف على الارض بدقه ، وقد ترجمت هذه الحماية الرسمية اللبنانية للارهابيين بمواقف رئيس الجمهورية والتهديد اكثر من مرة باللجوء الى مجلس الامن ضد سورية بذريعة المحافظة على السيادة اللبنانية .‏

في ظل هذا الوضع، ومع التقلبات التي آل اليها المشروع الصهيو- اميركي في المنطقة بعد الفشل المتتابع له في سورية ، ووصوله الى الخطة الاخيرة المبنية على الثنائي «اسرائيل – داعش « والقائمة على اقامة الدولة الارهابية في العراق والشام «داعش « لشطر محور المقاومة وتشتيت مكوناته وفصلها بعضها عن بعض وتبرير السلوكيات الاسرائيلية بحق فلسطين والفلسطينيين، مترافقة مع تحرك اسرائيلي ضد المقاومة الفلسطينية في غزة، مع هذه المتغيرات، رأت «داعش» ان تحتل مناطق محددة بعد «مسرحية الموصل الداعشية» ، في سياق ما اطلق عليه بـ خطة « الغزوات السبع «، التي تهدف الى احتلال كامل الانبار في العراق، والحسكة وجبل الشاعر وحمص في سورية، وعرسال وعكار وطرابلس في لبنان ، سبع مناطق تؤمن للدولة الارهابية «داعش « منفذا بحريا على المتوسط وعمقا جغرافيا في الداخل ، ومناطق ثروات طبيعية لما فيها من حقول النفط والغاز .‏

وعليه لم يكن الغدر الارهابي في عرسال امرا عابرا او صدفة انتجتها ظروف غير متوقعة بل كان خطوة في مرحلة ضمن خطة شاملة ، تقودها وتضبط ايقاعها الجهة التي انشأت داعش ومولتها وترعاها وهي التي فضحتها وكشفت هويتها بوضوح كلي وزيرة خارجية اميركا السابقة هيلاري كلينتون التي قالت بان «داعش منتج اميركي بتمويل سعودي خليجي « .‏

حققت «طعنة عرسال الداعشية « معظم ما رمت اليه في الساعات الاولى لانطلاق اعتدائها فامسك المسلحون بالبلدة بشكل كامل واحتلوا معظم مراكز الجيش في محيطها وانتقلوا فورا الى تنظيم شأن ما وضعوا اليد عليه ورفعوا اعلامهم عليه ايذانا بوصول دولتهم الى عرسال.‏

لكن الجيش اللبناني الذي غدر به في البدء استفاق بعد الصدمة وتصرف بردة فعل عسكرية دون الرجعة الى السياسيين – وهذا واجبه البديهي – فحرك قواته ليعزز ما ترنح منها في الميدان واستطاع في اقل من 48 ساعة ان يستعيد التوازن ويمسك بزمام المبادرة ، بشكل تمثل في المسارعة الى تطويق عرسال ومحاصرة الارهاب فيها لمنع تمدده الى خارجها في رسالة قوية للمسلحين بان مفاعيل المفاجأة انتهت وان الجيش سيقطع الطريق على خطتهم ، واذ بالميدان يشهد كراً وفراً لا يدرك حقيقة ابعاده الا من يملك القدرة على معرفة كل الجزئيات فيه.‏

ظن « داعشيو الداخل اللبناني « ان الجيش هزم في عرسال وان السيطرة في الميدان باتت لـ «داعش» لا يقوى الجيش على انتزاعها فتحركوا للتناغم مع هذا المستجد خاصة في طرابلس وعبر تيار المستقبل على لسان 3 من نوابه عن وقوفه ضد الجيش واتهموه بقتل اهل السنة وبانه جيش مرفوض، في افتراء يغفل كليا الحقيقة بان الجيش معتدى عليه وبانه خسر 17 شهيدا و80 جريحا وان 22 عسكريا مخطوفين على يد الارهابيين، وتحركت اثر ذلك الخلايا النائمة في المدينة وقامت بالاعتداء على الجيش مستفيدة من الغطاء المستقبلي ومن سكوت رسمي على موقف النواب الثلاثة خاصة القضاء الذي كان عليه ان يتحرك ضد هذه السلوكيات ويلاحق اصحابها دون التوقف عند حصانة نيابية يسقطها الجرم المشهود .‏

كادت «طعنة عرسال الداعشية « ان تنجح وتمتد الى طرابلس لو لم تواجه بردة فعل دفاعية مثلثة القواعد والاتجاهات:‏

-الاولى عسكرية- ميدانية قام بها الجيش الذي استعاد توازنه وانطلق لتحصين ميدانه في منطقة عرسال وتثبيت مراكزه في طرابلس والتصرف بمنطق عسكري لا تفسده السياسة.‏

-الثانية اهلية – شعبية تمثلت بردة فعل الاهالي في محيط عرسال الذين تحسسوا الخطر ونزلوا بشكل لبق وذكي الى الميدان دونما استفزاز لاحد، فشكلوا بيئة حاضنة للجيش تحمي ظهره ،‏

-والثالثة وطنية – اعلامية تمثلت باستنفار لبناني عارم رافقه موقف سياسي واعلامي، ادى الى عزل تيار المستقبل وداعشيي السياسة اللبنانية، وافهمهم بان خطتهم افتضحت وان لا مجال لمتابعتها.‏

لقد افشل مثلث الدفاع اللبناني الانف الذكر و مستفيدا من دعم ناري ارضي وجوي غير معلن قدمه الجيش العربي السوري افشل «طعنة عرسال الداعشية « وفضح اصحابها وفي طليعتهم تيار المستقبل الذي احس بحجم الفضيحة والخسارة، فقرر الجميع التراجع عن متابعة التنفيذ مع عدم التراجع عن مكتسبات سابقة وهنا توزعت الادوار في المعالجة على مستويات عدة بدءا بالسعودية ، فقررت ولحجب تمويلها لداعش، منح لبنان مليار دولار لانفاقها بيد الحريري لشراء سلاح للجيش والاجهزة الامنية، مرورا بـ»هيئة علماء الارهابيين» التي تصدت لمسألة التفاوض مع المسلحين وتحقيق طلبات الجيش من غير الحاجة الى متابعة العملية العسكرية التي بدأها ، وصولا الى تيار المستقبل الذي توزع الادوار في خطة الاستيعاب متراجعا لفظيا عن دعم الارهابيين ومؤكدا رفض العمل العسكري اللبناني والضغط باتجاه اعادة الحال الى ما كان عليه قبل « الطعنة « حتى لا يخسر المسلحون ما كان تيار المستقبل قد امنه لهم في المرحلة السابقة ابان العهد الرئاسي الماضي .‏

هنا يجب الاعتراف بان خطة رعاة «داعش « الاستيعابية نجحت في تحقيق اهداف اصحابها ووقع الجيش – الذي نجح في الميدان وافشل الهجوم- وقع في خديعة كبرى ادت الى وقف عملياته ما افسح المجال للمسلحين بترتيب اوضاعهم داخل عرسال وفي جرودها والاحتفاظ بالمخطوفين . فتوصل تيار المستقبل بذلك الى تحقيق اهدافه الاستيعابية لتعثر « الطعنة « ما انعكس سلبا وبشكل كارثي على معنويات الجيش ومهامه وادائه في منطقة عرسال عبر الحل – التفاهم الضمني غير المكتوب وغير المعلن الذي تم التوصل اليه عبر «هيئة علماء داعش» وبتوجيه من تيار المستقبل وممثليه في الحكومة اللبنانية والذي افضى الى نتائج نراها كارثة في ابعادها وتداعياتها اذ انها اجهضت مفاعيل البطولات التي قام بها الجيش والعمل العسكري الاحترافي الرائع الذي نفذته وحداته الخاصة في استعادة المراكز او مدفعيته المشهود لها بالدقة والفعالية والتي انزلت بالارهابيين ما يفوق الـ 400 قتيل بالتزامن مع ما قام به الجيش العربي السوري ورغم ذلك نرى ان تجار السياسة في لبنان صنعوا كارثة وطنية يعبر عنها بالتالي :‏

1) الاقرار الواضح بحق المسلحين العاملين ضد سورية بالوجود والعمل على الارض اللبنانية مع تمسك السلطة اللبنانية برفض التنسيق مع الجيش العربي السوري الذي يعمل لحماية سورية من الارهاب القادم اليه من لبنان .‏

2)تقييد الجيش لمنعه من ممارسة ما يراه مناسبا من عمليات عسكرية تهدف الى ضبط الوضع وتحرير جنوده المخطوفين وترك مسألة هؤلاء لمزاج المسلحين ورغباتهم وشروطهم .‏

3)تقييد القضاء اللبناني في ملاحقة من اعتدى على الجيش باطلاق النار عليه اوخطف عسكرييه او المس بمعنوياته .‏

4)التأكيد على ان ما رفعه لبنان من شعار النأي بالنفس انما يجد تطبيقه الحقيقي في النأي عن الحكومة السورية وعن الاتفاقيات المعقودة معها خاصة الامنية دون ان يكون نأياً عن التدخل في شؤونها عبر منح الارهابيين ملاذاً آمناً ومدهم بكل المساعدات والرعاية .‏

ان «تفاهم عرسال» اليوم يذكرنا باتفاق القاهرة في العام 1969 ولكن شتان ما بين خلفية واهداف هذا وذاك فاتفاق القاهرة كان تنازلاً عن شيء من السيادة اللبنانية في العرقوب من اجل العمل الفلسطيني المقاوم ضد اسرائيل، اما «تفاهم عرسال» فهو تفريط بدماء شهداء الجيش ومس بمعنوياته وتنازل عن جزء من السيادة الللبنانية في عرسال وجرودها لتمكين الارهابيين من اتخاذها قاعدة انطلاق لتخريب سورية وقتل شعبها … هذه هي المفارقة الكارثة التي تفرض على المعنيين بالشأن التحرك لدفعها قبل ان تنزل اثارها السلبية وفواجعها على لبنان وسورية معا، واننا نرى في قرار عسكري يتجاوز ما هو غير قانوني وفي سلوك قضائي لا يعترف بسلطة للسياسة على القضاء و ضغط شعبي وطني رافض للتنازل مخرجا من هذه الكارثة .‏

د. أمين حطيط

آخر الأخبار
إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم السوداني يعلن النتائج الأولية للتعداد العام للسكان في العراق المتحدث باسم الجنائية الدولية: ضرورة تعاون الدول الأعضاء بشأن اعتقال نتنياهو وغالانت 16 قتيلاً جراء الفيضانات والانهيارات الأرضية في سومطرة الأندونيسية الدفاعات الجوية الروسية تسقط 23 مسيرة أوكرانية خسائر كبيرة لكييف في خاركوف الأرصاد الجوية الصينية تصدر إنذاراً لمواجهة العواصف الثلجية النيجر تطلب رسمياً من الاتحاد الأوروبي تغيير سفيره لديها جرائم الكيان الإسرائيلي والعدالة الدولية مصادرة ١٠٠٠ دراجة نارية.. والجمارك تنفي تسليم قطع ناقصة للمصالح عليها إعادة هيكلة وصيغ تمويلية جديدة.. لجنة لمتابعة الحلول لتمويل المشروعات متناهية الصِغَر والصغيرة العقاد لـ"الثورة": تحسن في عبور المنتجات السورية عبر معبر نصيب إلى دول الخليج وزير السياحة من اللاذقية: معالجة المشاريع المتعثرة والتوسع بالسياحة الشعبية وزارة الثقافة تطلق احتفالية " الثقافة رسالة حياة" "لأجل دمشق نتحاور".. المشاركون: الاستمرار بمصور "ايكو شار" يفقد دمشق حيويتها واستدامتها 10 أيام لتأهيل قوس باب شرقي في دمشق القديمة قبل الأعياد غياب البيانات يهدد مستقبل المشاريع الصغيرة في سورية للمرة الأولى.. الدين الحكومي الأمريكي يصل إلى مستوى قياسي جديد إعلام العدو: نتنياهو مسؤول عن إحباط اتفاقات تبادل الأسرى