عندما تشعل الولايات المتحدة الحروب والنزاعات بين الدول، أو عندما تخوض بنفسها تلك الحروب بالوكالة ضد خصومها، فإن هدفها ليس دائماً الفوز وكسب المعارك، وإنما محاولة تدمير الدول المناهضة لسياساتها، وإحداث فوضى سياسية واقتصادية واجتماعية تنهك شعوبها، ولا تستثني من ذلك أتباعها وشركاءها، إذ تجعلهم يدفعون فاتورة حروبها من أمن بلدانهم واستقرارها، والهدف واضح وجلي، هو الحفاظ على هيمنتها الأحادية.
في كل الحروب التي شنتها الولايات المتحدة تحت مزاعم “محاربة الإرهاب” كانت تسعى وراء تفريخ هذا الإرهاب -الذي صنعته ولا تزال تغذيه-، حتى أصبحت إحدى أدواتها الرئيسية في الهيمنة والسيطرة، وكما هو حال “داعش والنصرة”، وغيرهما من التنظيمات الإرهابية التي زرعتها واشنطن في العديد من دول العالم تحت مسميات وأشكال مختلفة لزعزعة استقرار تلك الدول، فإن النازيين الجدد في أوكرانيا ورعاتهم الأوروبيين،هم النموذج الأحدث الذين تستخدمهم الولايات المتحدة لمحاولة إضعاف روسيا، وأيضاً لزعزعة أمن واستقرار أوروبا بأكملها، كي تبقى دول القارة العجوز تحت العباءة الأميركية.
ما يحدث في أوكرانيا اليوم يعطي مثالاً واضحاً على نزعة التوحش الأميركية، إذ رغم فشل الهجوم المضاد الذي يشنه نظام كييف، باعتراف البيت الأبيض، وإقرار دميته زيلينسكي، وتأكيد الكثير من زعماء “الناتو”، وحتى وسائل الإعلام الغربية، إلا أن واشنطن تصر على مواصلة إمداد أوكرانيا بالمزيد من الأسلحة الفتاكة والمحرمة دولياً وآخرها القنابل العنقودية، وهي تضغط أيضاً على أتباعها الأوروبيين لزيادة وتيرة ضخ الأسلحة، حتى لو نفد مخزونها لدى الكثير من الحكومات الغربية، وهو ما يحصل حالياً! باعتراف مسؤولي حكومات تلك الدول.
الدول الأوروبية تعطي مساحة المناورة الأكبر للولايات المتحدة كي تستمر في إشعال الحروب، وذلك بفعل ارتهان تلك الدول للسياسة الأميركية المدمرة، فخلافاً للقواعد الأمنية، بأن تعطي كل دولة أمنها القومي الأولوية القصوى، إلا أن أوروبا تضحي بمصالحها الوطنية العليا، وتضع أمن أميركا المزعوم ومصالحها فوق كل اعتبار، وواشنطن بدورها تسمرئ مسألة استخدام الأمن كذريعة لخداع أتباعها الأوروبيين، عبر تصوير روسيا والصين كأكبر تهديدين لأوروبا وحلف الناتو، وبالتالي تكون النتيجة، بأن تدفع الدول الأوروبية ثمن الهيمنة الأميركية وتفردها على الساحة العالمية.
تداعيات فشل الهجوم الأوكراني المضاد، لا بد أن يضع في النهاية الولايات المتحدة، وأتباعها الأوروبيين على المحك، فالاعتراف الأميركي والأوروبي بهذا الفشل، يعني إقراراً واضحاً! بالهزيمة، وخطوة أخرى نحو التسليم بانتصار روسيا عسكرياً، بعدما حققت انتصاراً اقتصادياً أمام حزم العقوبات الغربية، فهل يبدأ زعماء الحروب في أميركا وأوروبا إعادة تقييمهم لجدوى الحرب العبثية ضد روسيا، حفاظاً على ما بقي من ماء في وجوههم؟.
