الملحق الثقافي:
من مأثورنا الشعبي وأغنيات جداتنا وأمهاتنا للصغار، فرض شعر الأطفال نفسه بقوة في الساحة الأدبية كواحد من الأصناف الشعرية التي تطورت إلى مجموعات ودواوين وقصص أثرت المكتبة العربية والمناهج التعليمية.
ورغم اقتصار هذا النوع من الشعر على الشعراء العرب منذ القدم، غير أن شاعرات قليلات أثبتن وجودهن فيه وكانت الشاعرة جسماني شقرا وهي من مدينة حمص أول شاعرة عربية تقرض شعر الأطفال في مطلع القرن الماضي وديوانها روضة الأطفال الذي صدر عام 1932، وأعاد طبعه حديثاً شاعر الطفولة بيان الصفدي باكورة شعر الطفولة في الوطن العربي.
وما يلفت النظر في ديوان شقرا موضوعات قصائدها التي تحمل جوهر القيم العليا وتنمي في الطفل حب الوطن والأم والأب والمدرسة والصناعات الوطنية.
الصفدي الذي استضاف اتحاد كتاب حمص محاضرته بعنوان المرأة وشعر الأطفال أوضح أن الأديب المعاصر رفاعة الطهطاوي رائد التربية والأدب انتبه إلى الأطفال فترجم لهم عشرات الكتب والأناشيد وكان أول من كتب نشيداً للمدارس.
ومن خلال أبحاثه ودراساته وجد الصفدي أن شعر الأطفال ظهر عند العرب في العصر الجاهلي، وهو ما كان يعرف بترقيص الأطفال وكان مجهول القائل وغالباً ما كانت تردده الأعرابيات، ثم شهد هذا الشعر انقطاعاً حتى العصر الحديث بفعل نظرة المجتمع إلى المرأة وتمجيد الذكورة حتى في شعر الأطفال.
ولكن مع نهاية القرن الثامن عشر ظهر أول نص أدبي للأطفال للأديبة العربية أمينة نجيب بعنوان العصفور ثم تتالت الانقطاعات وصولاً إلى السنوات الأخيرة، حيث شهدت الساحة السورية ظهور شاعرات مميزات يتوقع لهن التألق الحقيقي في مجال شعر الأطفال أمثال عزيزة هارون ولينا تقلا وأميرة سلامة ومها داود وثراء الرومي ورائدة الخضر وغيرهن وهو ليس بغريب على المرأة السورية وهي بنت الإرث التعليمي والفني المعاصر، فسورية لديها كتب تعليمية منذ القرن التاسع عشر وصحافة للأطفال ومسرح وغيره، ما يعزز الثقافة الأنثوية في كل المجالات وخاصة التربوية.
ولفت الصفدي إلى أن سورية تعد رائدة في شعر الأطفال على مستوى الوطن العربي بفضل الانفتاح والاحتكاك بالغرب والهجرة والمستوى التعليمي، فالكتابة للطفل هي نتاج الحالة التعليمية والمدارس يضاف إليه الاهتمام بالأطفال.
ولم يقتصر الاهتمام الأنثوي بشعر الأطفال، وإنما اتجه نحو رسوماتهم، فظهرت في سورية حديثاً عشرات الرسامات اللواتي يرسمن للأطفال وتتسابق دور النشر في الوطن العربي للتعاقد معهن، حيث أثبتن وجودهن بجدارة في هذا المجال ومنهن الرسامة الحمصية المبدعة ريما كوسا.
وعن شعر الأطفال وما يميزه من شعر الكبار يصف الصفدي شعر الأطفال بالصعب لأنه يتطلب لغة سهلة وفكرة طفولية بتراكيب ملائمة لأعمارهم مع المحافظة على الشاعرية والإقلال من الوعظ؛ أي كلمات معدودة في عوالم محدودة أو الرقص ضمن القيود كما يسميها أحد النقاد.
يذكر أن للشاعر بيان الصفدي العديد من الإصدارات في مجال أدب الأطفال وله أعمال منشورة وملحنة في أكثر من وسيلة ومن إصداراته الشعرية ديوان الطفل العربي ويطرح النخل دماً وما لا يعود وجنة صغيرة، ومن المجموعات القصصية للأطفال حكايات عربية.
ترجمت قصائده وقصصه للأطفال إلى الفرنسية والروسية ودخلت أعماله في المقررات المدرسية في بلدان عربية عديدة.
العدد 1152 – 25-7-2023