الثورة _تحقيق – جاك وهبه:
تتجه بعض القطاعات الاقتصادية الرسمية إلى دمج الشركات ذات الاختصاص المتقارب، حيث بدأت بإجراء المزيد من الدراسات التحليلية الدقيقة لعمليات الدمج، وفقاً لتوجه الحكومة لإعادة هيكلة تلك الشركات بهدف الخروج بصيغة متكاملة للمؤسسات المحدثة لناحية وضوح المهام وتحقيق غاية الإحداث، ورغم براءة الفكرة، إلا أنها تبقى بين رافض ومؤيد.
آراء متعاكسة
فبعض الآراء ترى أن عملية الدمج قد تصبح باباً خلفياً لإخفاء فساد سابق أو خلق فساد جديد تحت غطاء إعادة الهيكلة والدمج، وقد تتسبب في كارثة جديدة، عندما تؤثر الشركات المندمجة الخاسرة على الشركات الرابحة سلباً، أو تقوم بتصدير مشاكلها الداخلية سواء المشاكل الهيكلية أو المالية أو العمالية إلى الشركات الأخرى التي كانت مستقرة نسبياً قبل الدمج، وبدلاً من أن نعالج الشركات المريضة نصيب الشركات السليمة بأمراض أكثر خطورة، ما يؤدي إلى انهيارها في النهاية، وهناك آراء تجد أن عملية الدمج تؤدي إلى تطوير الشركات المندمجة وخلق كيان قوي جديد يستطيع المنافسة واستغلال أصول الشركات غير المستغلة ودعم السوق وموارد الدولة.
تحاكي التطور
وزير الصناعة الدكتور عبد القادر جوخدار اعتبر في تصريح سابق له أن هذا الإجراء يسهم في النهوض بالصناعة الوطنية بكل قطاعاتها، مشيراً أن الوزارة تعمل على إعداد مشروع دمج المؤسسات وفق رؤية استراتيجية تحاكي التطور الصناعي بالدول المتقدمة وتعتمد على دراسة إعادة هيكلة المؤسسات والشركات ضمن عملية الدمج التي تعتمد على تشابه الاختصاص والنشاط الصناعي من دون المساس بالموارد البشرية العاملة في تلك الشركات، لجهة النهوض بالواقع الصناعي المحلي، موضحاً أن الرؤية تتعلق بكل المنشآت الصناعية المدمرة والمتوقفة والخاسرة وغيرها وحتى الشركات الرابحة، مؤكداً أنه سيتم العمل على تأهيلها من جديد لتحسين إنتاجها وليكون مردودها أكبر.
بلا معنى
من جهته يرى الخبير الاقتصادي عامر شهدا أن عملية دمج الشركات لا يوجد لها أي معنى إذا لم تؤثر بشكل إيجابي على القوة الشرائية لليرة السورية وبالتالي على الإنتاج، وما هي إلا عملية تزيد من المشاكل الاجتماعية إذا كانت ستؤدي إلى تسريح عمال أو تخفيض عمالة.
وقال: «إن أغلب طروحاتنا وإجراءاتنا لأي موضوع تكون دراستها مختصرة ـ هذا إن وجدت دراسة بالأصل ـ وليس من المستبعد أن يكون قرار دمج الشركات ناتج عن اجتماع تم فيه طرح الموضوع والعمل عليه وغير ناتج عن دراسة».
تفكير تقليدي
ولفت أنه من المفترض الابتعاد عن التفكير التقليدي، بما معناه، بحسب شهدا، أن تتم دراسة دمج الشركات باتجاه كيفية تحويل هذه الشركات إلى شركات مساهمة عامة مغفلة، يتم من خلالها تحقيق أهداف استراتيجية تؤدي إلى مخرجات تنعكس إيجابياً على الاقتصاد الوطني، كإيجاد أقنية استثمار لمكتنزي الأموال في هذه الشركات، وامتصاص كتلة نقدية من الليرة من الأسواق تساعد على لجم التضخم، وخلق هيكلية جديدة تختلف عن الهيكلية الموجودة أي مجالس إدارة جديدة يشترك فيها القطاع الخاص على اعتبار أنه مساهم في هذه الشركات، إضافة إلى الاستفادة من موارد قيم الأسهم التي يتم طرحها في الأسواق المالية لهذه الشركات واستخدامها في صيانة أو تجديد آلات ومعدات تلك الشركات.
تشاركية
وتساءل شهدا طالما أننا اليوم في مرحلة انفتاح اقتصادي وهناك دعوة لرجال أعمال للقيام بمشاريع استثمارية، وطالما أن الشركات المطروحة للدمج قائمة وتجهيزاتها موجودة إذاً لماذا لا يتم طرحها تشاركياً مع مستثمرين عرب واسترجاع جزء من رأس المال، والتركيز على الصناعات التحويلية التي ترتبط بالإنتاج الزراعي ليتم دعمها ودعم الإنتاج الزراعي بالوقت ذاته ويصبح هناك منتجات قابلة للاستهلاك داخلياً وخارجياً.
مشيراً أن هناك تجربة سابقة للتشاركية لكنها فشلت حيث طرحت على القطاع الخاص المحلي في الوقت الذي كان يعمل فيه بالمضاربة على الليرة ويحصد موارده بشكل أكبر من الدخول بشراكة مع شركات القطاع العام، أما اليوم فالأمر قد اختلف وهناك دعوة لرجال أعمال عرب للاستثمار في سورية ومن الأنسب طرح هذه الشركات عليهم لاستثمارها.
استراتيجية متكاملة
وطالب بطرح مشروع استراتيجي بخصوص عملية الدمج وقال: «إن أي طرح يتعلق بأملاك الدولة أو بشركات ومصانع عامة يجب التفكير باتجاه استثماره بشكل استراتيجي وصحيح وليس قرارات داخلية إدارية ناتجة عن اجتماعات ضمن وزارة فهذا الكلام لم يعد ينفع»، مضيفاً أننا مقبلون على انفتاح اقتصادي يتطلب وجود استراتيجية متكاملة لمنشآت وشركات ومعامل القطاع العام وهذه الاستراتيجية من المفروض أن يكون لها أهداف تصيب انتشال الاقتصاد السوري من وضعه السيئ.
خيار عصري
الخبير الاقتصادي فاخر قربي اعتبر أن اندماج المؤسسات خيار عصري بتوفر الهيكلية الصحيحة وهو من الطرق الرئيسية الهامة لتحقيق قفزات نوعية إدارية وإنتاجية وزيادة القدرة على المنافسة ومواجهة الاحتكار والتحديات الكبيرة في ظل الظروف التي نشهدها في سورية ، ومن إيجابياته أيضاً، يضيف قربي، عائدات أو وفورات كل من الحجم والمجال والتي تساهم في خفض تكلفة المنتوج سلعة كان أو خدمة، كما يمكن أن يساعد على تقسيم العمل والتخصص ما يدعم الجودة وخفض التكلفة أيضاً، هذا الى جانب بعض الدوافع الخاصة للاندماج مثل تحقيق كفاية رأس المال في المصارف والبنوك إضافة إلى تحقيق كفاية رأس المال التي تحمي تلك المؤسسات وزبائنها من الانهيارات وآثارها المدمرة بسبب الهزات المالية والإفلاس، وفي عبارة واحدة حظر الإسراف والتبذير والتأكيد على القصد والتوسط في الإنفاق وترشيده إلى جانب الدعوة إلى الاتحاد والتعاون والاتقان والجودة كلها تصلح لتأييد الاندماج بين الشركات والمؤسسات.
لا يعني التوحد
أما عن تعارض الاندماج مع التعددية المطلوبة للتنافس والتسابق في الخيرات، بين قربي، أن التعددية تتحقق بوجود أكثر من مؤسسة أو شركة واحدة وأن الاندماج لا يعني التوحد بل لا يمكن غالباً أن يقود اندماج جميع المؤسسات أو الشركات إلى ولادة مؤسسة واحدة أو شركة واحدة فقط، غاية ما في الأمر أن الاندماج يمكن أن يقلص الكثرة بنسبة أو بأخرى حسب الظروف والدوافع والموانع والقوانين فتندمج مثلاً للإيجابيات السابق ذكرها 12 شركة أو مؤسسة مماثلة في دولة واحدة أو أكثر في شركتين أو 3 شركات أو مؤسسات وبذلك فالتعددية تبقى والفرق في مساحتها فقط.
وأضاف أن التسابق والتنافس في الخبرات لا ينحصر في تعدد المؤسسات والشركات بل هو ممكن ومطلوب في إطار المؤسسة الواحدة علما أن الكثرة التي تترتب على ولادة وتأسيس المزيد من المؤسسات بالانشقاق والانشطار لعدم التعايش والتفاهم يكرس الفردية ويضعف الميل للعمل الجمعي ولا يشجع روح العمل كفريق واحد ما يبعد المؤسسة أو الشركة الجديدة من المأسسة والجدوى الاقتصادية ويخلق معارضة قوية للاندماج بل وأحياناً حتى مقاومة للتعاون والتنسيق مع الآخرين من أفراد ومؤسسات فلا بد من الانتباه لذلك عند التخطيط للاندماج.
اتحاد احتكاري
وعن الاحتكار الذي يصنف في قائمة سلبيات الاندماج، والكلام هنا لقربي، فلا ملازمة بين الاندماج والاحتكار فمن دون حاجة للاندماج يمكن لمجموعة من الشركات أن تمارس الاحتكار بتشكيل ما يسمى بالاتحاد الاحتكاري وهو مجموعة من الشركات تعمل في الصناعة ذاتها وتتحد عادة مع بعضها البعض من خلال اتفاق قانوني لتنظيم الإنتاج والأسعار والشروط الصناعية الأخرى..
وعليه فلا بد من التمييز بين الاتحاد الاحتكاري من جهة والاندماج من جهة أخرى وصياغة القوانين واتخاذ الإجراءات الضرورية اللازمة لمكافحة الاحتكار الذي يمكن أن يتستر للممارسات أو الأعمال المضللة أو غير العادلة وهذا التوجه واضح حتى في بعض القوانين الوضعية وقبل عصر الاندماجات الكبيرة والعولمة.
الضخامة أمر سيئ
وحول رأي البعض أن الاندماج يترتب عليه ولادة مؤسسة كبيرة وضخمة وأن الضخامة أمر سيئ، بين الخبير الاقتصادي، أن ضخامة المؤسسة أو كبر حجم الشركة بنفسه ليس أمراً سيئاً إلا إذا كانت مشاكل خارجية أخرى مثل السيطرة على الشركة وكفاءة إدارتها وهذه المعوقات قد عالجتها تقنيات الإدارة وفنونها أو تمكنت الشركة الكبيرة لحجمها من الاحتكار بسلوك قانوني مع تحاشي القيام بأعمال مضادة للتنافس وهذا أيضاً يمكن التصدي له عبر نفس الطرق، لذلك كله يجب أن لا نقلق من الاندماج والتخطيط له، وبذلك فلا مجال لرد الدعوة إلى الاندماج بالقول بأن اليابان قد بنت نهضتها الصناعية معتمدة بالدرجة الأولى على المشروعات الصغيرة، والاقتصاد الياباني ثاني أكبر الاقتصاديات في العالم من ناحية حجم الناتج المحلي الإجمالي بعد الولايات المتحدة الأميركية، كما يعتبر نصيب الفرد الياباني من الناتج المحلي الإجمالي الأعلى في العالم، نقول، والكلام هنا لقربي، نعم هذا صحيح ومن جهة أخرى ففي اليابان إلى جانب تلك المنشآت الصغيرة والمتوسطة هناك منشآت ومشروعات كبيرة نفتقدها كذلك، والمشروعات الكبيرة هذه ما هي إلا تجميع لإنتاج الصناعات الصغيرة التي تتكامل أفقياً ورأسياً وأمامياً وخلفياً مكونه فيما بينها تلك المشروعات الصناعية العملاقة، وبعبارة أخرى فإن اندماج المؤسسات المجهرية ( الصغيرة جداً ) لا ينفي دور وأهمية المشروعات الصغيرة بل يدعمها فاندماج المنشأت المجهرية في أحسن الحالات ربما يتمخض عن ولادة منشآت صغيرة.
خيار استراتيجي
وأكد أن اندماج مؤسساتنا خيار استراتيجي لا مفرّ منه لكن اندماج إداري صحي يضمن مسارات وظيفية حقيقية تضمن للعمال والموظفين حقوقهم الإدارية والمادية والمعنوية