الثورة- رنا بدري سلوم :
في حوض العاصي وتحت أشعة شمسه الحارقة، يتتبع الفنان «محمد نزار جاويش» شتلات القصب، متحدياً الأفاعي والعقارب والزواحف كي يتسنى الحصول عليها، من هنا بدأ مشروعه الفنّي في تشكيل لوحات من القصب الطبيعي، التي تعاند الزمن، فتبقى محافظة على قوامها وبريقها، فهي ليست مجسّمات وصمديّات خشبيّة وحسب بل رحلة مع القصب عمرها خمسة وعشرون عاماً، لتشكيل فنٍ مخلص للإنسان مجسّداً أفكاره بعمل فني واضح المعالم كالآيات القرآنية والترانيم والأقوال والحكم، وخشبيات كالبيوت الريفية والدور الدينية وغيرها، بأحجام متفاوتة تتميز بدقة عالية في الإنشاء والتطبيق، أدواتها مشرط وقلم ومسطرة، فهو لم يستخدم آلات صناعية للقص أو التفريغ أو الإنشاء، بحسب جاويش الذي تحدث في تصريحه لصحيفة الثورة عن صعوبة هذا الفن في إنجازه والدقة والحرفية العالية التي يتطلبها، إضافة إلى الصبر والجهد والعناء.
من الخط العربي تتّبع جاويش الآرمات والكتابات الخطيّة البارعة في أماكن وجودها، حتى اتّبع دورات تدريبية أكاديمية درس فيها جميع أنواع الخطوط، فبدأ بتطويع القصب الطبيعي البرّاق في خدمة جماليات الخط العربي ولاحقاً تطويع القصب بالرسم، متحدثاً جاويش عن القصب قائلاً: «لقد صغت الحرف من القصب الطبيعي، ليضاف للوحة من دون تعديل على ألوانه الطبيعية أو إضافة الملمّعات الكيميائية، فقد يتمتع القصب الطبيعي بألوانه الذهبية متفاوتة الدرجات، ولم يقتصر الأمر على الخط وإنما بدأت بتصميم لوحات ورسومات وأيقونات ورموز تعبيرية»، مشيراً إلى موهبة ابنته ريم الطالبة في كلية التربية التي تشاركه الرأي في تفاصيل الأعمال الفنية، فهي تمتلك حرفية في التصميم وكانت ولا تزال تشاركه أعماله الفنية حتى استقلّت في تشكيل أعمال فنية خاصة بها، تدهش كل من شاهدها تلبية لرغبات زبائنهم وأذواقهم المختلفة لتصبح مع مرور الوقت موهبة وامتهاناً للكسب المعيشي إلى حد ما، ولتبقى لوحات القصب العصيّة على الوقت والتغيير، معلّقة على جدران الحياة تبوح بأبجديتها.
