يكثر الحديث في الندوات والملتقيات الثقافية عن دو المثقف في تشكيل الوعي وتعميق الانتماء لدى المواطنين بشرائحهم كافة، ويتوجهون إلى شريحة الشباب بمزيد من التوجيهات ومحاولة استقطابهم في الفعاليات الأدبية والنشاطات الثقافية، لتكريس وعيهم تجاه مسؤولياتهم الكبيرة للمساهمة في عملية إعادة البناء، إن كان على صعيد تفوقهم العلمي، أو إعطائهم عصارة فكرهم عبر تقديم ما من شأنه أن ينهض بالمجتمع ويرتقي به.
ولكن هل تكفي هذه الندوات والملتقيات لتؤتي ثمارها في ظلّ هذا الزحف الالكتروني وما يقدّمه من طروحات وأفكار وعادات لا تمت لمجتمعاتنا بصلة، وكلّ ذلك تحت مسميات برّاقة، فتارة هي الحداثة والتطور، وتارة أخرى هي الليبرالية وما تحمل في مضمونها من سموم تغزو عقول شبابنا وربما تمتد إلى أطفالنا وقد أصبحت وسائل التواصل جميعها مستباحة وفي متناول اليد والعقل وأيضاً العبث.
ربما يظن البعض أننا ضد التطور والحداثة، وأننا نرفض التكنولوجيا الحديثة، وبالطبع الأمر لا يقاس بمعايير الرفض والقبول، بقدر ما يقاس بكيفية ترشيد استخدام هذه التقنيات الحديثة وتوجيهها بطرق منهجية هادفة وفي سياق تكريس هويتنا وتعزيز انتمائنا، وعدم الاستسلام والقبول لكلّ ما تقدّمه التكنولوجيا على صفحاتها دون تحليل عقلاني يعتمد على الوثيقة المعتمدة، أو المعلومة الصحيحة.
جميعنا يدرك ما تجود علينا به اليوم الثقافة الرقمية والتكنولوجيا الحديثة من مخاطرعلى الثقافة والهوية، ومن ثم على جيل يعيش هذه العوالم الجديدة واستسهل تداولها في غير وعي منه عن دروب محفوفة بالمخاطر يمكن أن تودي به إليها، في ظل غياب الدقة والأمانة العلمية المتوخاة.
وأمام هذا الغزو المعلوماتي الكثيف، وهذه العولمة الطاغية، ومحركات البحث التي تجول في عقول أبنائنا كما تجول في فضاءاتهم التي تتوجه في كثير من أغراضها إلى تدمير العقول، وطمس معالم هويات الشعوب وانتماءاتهم، وصهرهم في بوتقتها، لابدّ من استراتيجية وطنية متكاملة تساهم في مواجهة التحديات وحماية البلاد من تيارات الليبرالية الجديدة وغيرها ونشرالوعي الثقافي الحقيقي” وكلنا معنيون”.