يمن سليمان عباس:
لم يعرف التاريخ الأدبي ظاهرة أروع من ظاهرة الأدب المهجري العربي الذي ظهر في مطلع القرن الماضي وكان عربي الهوى واللسان إنساني النزعة.. فضح جرائم وهمجية الغرب الذي يدعي المدنية وما زال يتاجر بها.. ألم يقل نعيمة: كل ما في الكون ثمين وجميل إلا أن أثمنه وأجمله هو الإنسان..
لقد حذر نعيمة كما فعل جبران والريحاني من الوقوع في شرك الغرب.. يقول نعيمة في كتابه دروب:
أما الهمجية فهي الحرب من غير شك ففي الحرب تلقي المدينة عن وجهها قناعها البراق الخداع وإذا بها أنياب وبراثن ومخالب لا يهيمن عليها عقل ولا يكبتها وجدان وإذا المقاييس البشرية كلها تنقلب رأساً على عقب فالبطل هو الذي يدمر لا الذي يعمر والذي يميت لا الذي يحيي والذي يكره لا الذي يحب في الحرب تبدو الأمانة خيانة والمروءة خنوثة واللين جبناً والصفح جريمة. وينطلق الموت يتعقب الحياة في كل مكان فكأنها دخلت الأرض بدون جواز سفر فوجودها يزعج الأرض والموت بالسواء.
ألا فليخجل (المتمدنون) بمدنيتهم فلو أنا شئت أن أعدد همجياتهم لما انتهيت من ذلك تجنيهم على الجمال الذي لا تحسه العين والأذن ويحسه العقل والقلب والخيال إنه الجمال الذي يضفي على الحياة روعة وقدسية وجلالاً ويقيم لها أهدافاً تتضاءل دون جلالها جميع حاجات اللحم والدم.
فليس من العبث أن يجمع الناس في كل مكان وزمان على محبة العدل والحرية وكره الظلم والعبودية. لأن العدل والحرية جميلان والظلم والعبودية قبيحان. وإذ ذاك فالظالمون والمستبدون همج لأنهم يشوهون جمال العدل والحرية.
جمال هو الصدق وبشاعة هو نقيضه الكذب. فهمج هم كاذبون.
جمال هي الدعة وقباحة هي الكبرياء فهمج هم المتكبرون.
همج هم الماكرون والمحتكرون والمبغضون والنمامون والمغتابون والبانون أمجادهم على مذلة الغير.
لا ليس يليق بأبناء هذه المدينة أن ينعوا على بعض القبائل المتأخرة همجيتها فليتفقدوا (مدنيتهم) أولاً.