الساحل الإفريقي.. هل يزيح صخرة السطوة الفرنسية على ثرواته؟

لميس عودة:
لطالما حامت غربان الغرب الاستعماري في الفضاء الإفريقي وسال لعاب أطماعها على ثروات ومقدرات دول القارة السمراء، فأينما توجهت بوصلة الطمع الغربي والرغبة بالهيمنة والنهب فثمة إشعال لنار اضطرابات  تؤجج لهيبها مصالح دول غربية في مقدمتها فرنسا المتخم تاريخها بانتهاكات حقوق الإنسان وسلب إرادات الدول التي تريد كسر نير التحكم بمصائرها ونهب خيراتها ومقدرات شعوبها.
اذ ترفض فرنسا التي تغرز مخالب لصوصيتها في جسد دول الساحل الأفريقي أن تمزق شعوب هذه الدول وقواها التحريرية صكوك التبعية التي تخنق اقتصادهم وتستميت لعدم تمكينهم من نزع غشاوة الوصاية الاستعمارية عن عيون مصالحهم واستثمار مواردهم الحيوية، فضمان نهب الثروات الإفريقية هو العنوان العريض للوجود الفرنسي في الساحل الإفريقي، لذلك تتسع دائرة الصحوة الإفريقية لضرورة إنهاء مسلسل الاستغلال الغربي لموارد دوله، وتزداد المطالب الشعبية بتفكيك قيود فرنسا الاستعمارية ورفع اليد الفرنسية المتحكمة بموارد وثروات افريقية ضخمة من ذهب والماس ونفط ويورانيوم التي تحتكرها باريس.. بينما تعاني شعوب دولها من الفاقة والعوز وفي مقدمتهم النيجر الأمر الذي أوصلهم الى درجة إدراجهم كأكثر الشعوب فقرا على المقاييس العالمية بسبب حرمانهم من استثمار مواردهم الغنية لمصلحة الجشع الفرنسي.
وما تؤكده المشاهد القادمة من النيجر حاليا وسبقها العديد من المشاهد المماثلة في المطالب المشروعة لإزاحة صخرة سلب فرنسا لمقدرات دول الساحل الإفريقي وثروات الشعوب هناك من مالي لتشاد وبوركينا فاسو وغيرها من دول فرانكفونية، وتنامي الحراكات العسكرية فيها مسنودة بدعم شعبي هو من جهة يؤكد أن شعوب هذه الدول ضاق ذرعها بالطوق الخانق الذي تشده باريس على عنق استقلالية  قرارها وتحرر اقتصادها من عقود الهيمنة الفرنسية، ومن جهة أخرى إدراك بعض النخب العسكرية والمجتمعية أن فرنسا تغذي الإرهاب وتدعم جرائمه ليبقى الجو مؤاتيا لادعاءات محاربته، فبقاء حالة عدم الاستقرار السياسي والفوضى المجتمعية وارتهان مسألة ضمان أمن الأنظمة التي نصبتها وتدعمها باريس لتنفيذ أجنداتها الاستعمارية تتسلل من خلاله لاستباحة سلام واستقرار هذه الدول وإفقار شعوبها عبر شرعنة أعمال اللصوصية وسلب الثروات.
“لا تهديد يستهدف غرب إفريقيا أكثر من نهب خيراتها وسرقة مواردها” تلك قاعدة بدأت تدركها الكثير من الشعوب الإفريقية الواقعة تحت نير القبضة التسلطية الفرنسية والتلويح بتدخل عسكري خارجي بذريعة الانقلابات الحالية هي لغايات إبقاء من تراهم فرنسا دمى طيعة لخدمة مصالحها وليس لحفظ الأمن المزعوم ومحاربة التطرف الذي يهدد الأمن والسلم العالميين وفرنسا ومن على شاكلتها الاستعمارية من يمدون له شرايين إجرامه ليبقى شماعة لغزو الدول ونهب مقدراتها.
ما يجري حاليا في عدد من دول الساحل الإفريقي من حراكات وانقلابات عسكرية مناوئة لفرنسا لا يدق فقط ناقوس احتمال انفراط عقد الهيمنة الفرنسية بل يوحي بتعديل مسار علاقاتها وبناء علاقات مغايرة  لنهج السطوة الفرنسية على القرارات والموارد، ويدلل على انتهاج مسار جديد طرحته العديد من القوى الفاعلة جماهيريا حاليا في النيجر وغيرها من دول غرب أفريقيا تجاه عقد تحالفات مع دول لا تتدخل في الشؤون الإفريقية الداخلية، وتسير في علاقاتها وفق معادلة” رابح – رابح”  للطرفين المتحالفين والقصد هنا روسيا والصين اللتين بدأتا بتغيير نظام الأحادية القطبية بمد جسور علاقات يسودها الاحترام وتحفظ سيادة الدول، الأمر الذي بدا واضحا  في قمة “روسيا- أفريقيا” الثانية التي انعقدت في مدينة سانت بطرسبورغ و شاركت فيه وفود 49 دولة أفريقية إلى جانب 17 رئيساً من دول القارة والرئيس الحالي للاتحاد الأفريقى ورئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي، حيث أكد المشاركون وقوفهم إلى جانب روسيا ودعمها  في وجه ما  تفرضه أميركا ودول الغرب من “عقوبات” جائرة على الشعب الروسي  لدفاعهم عن أمنهم القومي.
الساحل الإفريقي في عين الجشع الفرنسي..
يشكل الساحل الأفريقي أهمية بالغة لفرنسا الاستعمارية لذلك تستميت لعدم تحرره من قيود سيطرتها وذلك لعدة أسباب أبرزها:
1- الحفاظ على إرثها الاستعماري وعدم فك الارتباط الاستراتيجي مع مستعمراتها السابقة، خاصة أن الوجود العسكري والسيطرة الاقتصادية وسائل فرنسا لإثبات وترسيخ هذا الإرث البغيض والتمكين والتثبيت له.
٢- تأمين وحماية مصالحها الاقتصادية في مختلف دول غرب إفريقيا خاصة في منطقة الساحل، التي تمثل مصدرا أساسيا لموارد الطاقة التي تعتمد عليها الشركات الفرنسية، إضافة إلى حماية الاستثمارات الاقتصادية الكبرى لفرنسا في السنغال وبوركينافاسو وعموم دول هذه المنطقة.

3- منع أي محاولات من دول الساحل الإفريقي لإقامة علاقات أو تقاربات وتحالفات حقيقية  تعود بالفائدة على دول الساحل وتعافي شعوبها مع روسيا والصين القوتين العالميتين اللتين رسختا حضورهما الريادي وموقعهما القوي والنوعي في الميزان العالمي، وتنتهجان نهجا مغايرا لسياسات الغرب الاستعماري أساسه احترام سيادة الدول وحقوقها السيادية وغايته نماء  شعوبها واقتصاداتها .
إلا أن فرنسا باتت تستشعر مآلات تنامي موجة الكراهية لها المتزايدة والمتسعة، الأمر الذي ظهر بصورة علنية وواضحة عبر الاحتجاجات الجماهيرية في مالي وبوركينافاسو، وقد شملت تلك الاحتجاجات المطالبة برحيل الجنود والقواعد الفرنسية في المنطقة وحرق أعلام فرنسا في إشارة رمزية إلى رفض الوصاية الفرنسية التي تجسدت بجرائم وحشية وعنصرية  تذخر بها الذاكرة الأفريقية ومارسها الفرنسيون لتثبيت استعمارهم ونهبهم لمخزون القارة السمراء من الموارد والثروات، فضلا عن دعم الديكتاتوريات الإفريقية التي تخدم أجندات فرنسا ولا تلبي احتياجات الشعوب هناك، إضافة إلى الاستنزاف الفرنسي لاقتصاديات الساحل الإفريقي من خلال نهب الثروات والتفقير المتواصل لشعوب المنطقة والتحكم في هذه الاقتصاديات الهشة عبر الفرنك الإفريقي الذي يمثل هو الآخر احتيال استعماري يربط فرنسا بشعوب غرب إفريقيا، وكل ذلك أدى إلى تنامي مشاعر القومية الإفريقية مع نخب شبابية واسعة في منطقة الساحل وفي القارة الإفريقية مستاءة من سياسات فرنسا القديمة والحديثة وتسعى إلى إقامة علاقات وتحالفات دولية جديدة واتباع خطط تنموية محلية خارج العباءة الفرنسية، ويضاف إلى ذلك  اتهام فرنسا بالتواطؤ مع الإرهاب في منطقة الساحل إذ أن وتيرة العنف وضحايا الإرهاب في تصاعد مستمر رغم وجود ما يسمى قوات دولية .
كل ما سبق يدلل بوضوح على انه سيكون هناك استماتة فرنسية لإفشال أي تغيير ينعكس على هيمنتها على الساحل الإفريقي وطي صفحة مؤلمة من الوصاية الاستعمارية الفرنسية على دول افريقية، وذلك لأن خسارة فرنسا لمنطقة الساحل الإفريقي تعني خسارة هائلة لها في السياسة والاقتصاد .

آخر الأخبار
بمشاركة سورية.. انطلاق فعاليات المؤتمر الوزاري الرابع حول المرأة والأمن والسلم في جامعة الدول العربي... موضوع “تدقيق العقود والتصديق عليها” بين أخذ ورد في مجلس الوزراء.. الدكتور الجلالي: معالجة جذر إشكالي... بري: أحبطنا مفاعيل العدوان الإسرائيلي ونطوي لحظة تاريخية هي الأخطر على لبنان عناوين الصحف العالمية 27/11/2024 قانون يُجيز تعيين الخريجين الجامعيين الأوائل في وزارة التربية (مدرسين أو معلمي صف) دون مسابقة تفقد معبر العريضة بعد تعرضه لعدوان إسرائيلي الرئيس الأسد يصدر قانوناً بإحداث جامعة “اللاهوت المسيحي والدراسات الدينية والفلسفية” الرئيس الأسد يصدر قانون إحداث وزارة “التربية والتعليم” تحل بدلاً من الوزارة المحدثة عام 1944 هل ثمة وجه لاستنجاد نتنياهو بـ "دريفوس"؟ القوات الروسية تدمر معقلاً أوكرانياً في دونيتسك وتسقط 39 مسيرة الاستخبارات الروسية: الأنغلوسكسونيون يدفعون كييف للإرهاب النووي ناريشكين: قاعدة التنف تحولت إلى مصنع لإنتاج المسلحين الخاضعين للغرب الصين رداً على تهديدات ترامب: لا يوجد رابح في الحروب التجارية "ذا انترسبت": يجب محاكمة الولايات المتحدة على جرائمها أفضل عرض سريري بمؤتمر الجمعية الأمريكية للقدم السكرية في لوس أنجلوس لمستشفى دمشق الوزير المنجد: قانون التجارة الداخلية نقطة الانطلاق لتعديل بقية القوانين 7455 طناً الأقطان المستلمة  في محلجي العاصي ومحردة هطولات مطرية متفرقة في أغلب المحافظات إعادة فتح موانئ القطاع الجنوبي موقع "أنتي وور": الهروب إلى الأمام.. حالة "إسرائيل" اليوم