ومن قال إن السهول وحدها يمكن أن تكون مطارح استثمار زراعي..؟؟
وماذا عن المناطق الجبلية التي تشكل مساحة غير قليلة من إجمالي مساحة بلدنا؟
كيف عاش سكان هذه المناطق منذ مئات السنين، وحولوها تدريجياً إلى مجتمعات متحضّرة رغم قسوة الظروف ووعورة المكان..بالتأكيد امتلكوا الأدوات واستثمروا في الزراعة والإنتاج الحيواني، وكانوا واقعيين في التماهي مع الطبيعة واستثمار ميزاتها، أي كانوا “أغنياء” بمعنى الغنى عن الحاجة و الكفاية.. لا بمعنى الثراء.
اليوم تغصّ هذه المناطق بمشاهد الفقر والعوز، بعد أن أوقعت أوهام التمدن بأهلها، وتخلّوا عن قطعان الثروة الحيوانية، ومهارات الزراعة التقليدية، والتصنيع الزراعي، أي نسيتهم الطبيعة، وأضاعوا أدوات البقاء وأسباب الرزق الحقيقية، وباتت الفجوة كبيرة بشكل تصعب معه العودة إلى مفردات الحياة البسيطة..لكن الفعالة بكل معنى الكلمة..هل لأن جبالنا وعرة ..؟؟
لانظن أنها أكثر وعورة من جبال الصين وفيتنام والبلدان الآسيوية التي ترفض شعوبها الاعتراف بشيء اسمه مستحيل، مدرجات شديدة الانحدار لكنها مزروعة بما يتكفل باكتفاء سكانها ورضاهم..ومن يقارنها مع أراضي مدرجاتنا الخاوية، ينتابه شعور بالإحباط.
إنعاش المناطق الجبلية بات مطلباً ملحاً، لأنها تحتضن ملايين المواطنين في عدة محافظات..اللاذقية وطرطوس وحماة وإدلب و السويداء، والإنعاش يحتاج إلى خطة وطنية متكاملة وخاصة، لأن ما نخططه لزراعتنا نباتياً وحيوانياً لا ينطبق على هذه المناطق، لا على مستوى الصنف النباتي ولا السلالة الحيوانية ولا الميكنة الزراعية ولا شبكات الطرق، هنا في مثل هذه المناطق يكون للتنمية حديث آخر.
الخبراء – ولدينا الكثير منهم – يدركون جيداً تفاصيل الاستحقاقات المطلوبة لإنعاش الريف الجبلي، وبعضهم أدلى بدلوه، لكن رؤاهم تبقى نظرية إن لم تجد تبنٍا حكوميا رسميا باتجاه التنفيذ ولو على مراحل، ولابأس إن كانت طويلة نسبياً.
البداية يجب أن تكون من وزارة الزراعة، بخطة تعلنها بالتعاون مع مختلف الجهات الرسمية، وتُنفذ بالتعاون مع المجالس المحلية..
يجب أن نعيد توطين سلالات الأبقار الشامية والعكشية المتوائمة مع طبيعة هذه المناطق، وكذلك الماعز في الغابات، والأغنام أيضاً.
وتقديم مايلزم من دعم لإعادة استثمار المدرجات المهجورة التي طالما كانت تفيض قمحاً وبقوليات وزراعات علفية للماشية..
الملايين في هذه المناطق يكافحون اليوم لإعادة استثمار أراضيهم وبيئتهم كما كان يجري منذ عقود، لكنهم بحاجة لمن يأخذ بأيديهم، بعد أن باتت الفجوة كبيرة.
نهى علي