الثورة – ديب علي حسن:
تمر هذه الأيام ذكرى رحيل أشهر الشعراء في العصر الحديث بدوي الجبل الذي استطاع أن يصل كل بيت عربي، وأن يثير الجدل الطويل في حياته وبعد رحيله.
بدوي الجبل الذي اتفق على مكانته المبدعون العرب كلهم بمن فيهم من كان على مواقف معادية له.
رحل الشاعر عام ١٩٨١م و مايزال أذكر عندما كنت متوجها للتسجيل في الجامعة ذاك اليوم قرأت نعيه الذي ملأ جدران الطريق المؤدي إلى كلية الآداب..
وكم شعرت بالفخر أني أحفظ نصف ديوانه الذي استعرته من مديري حينها عيسى محمود في ثانوية كرد أوغلي.. وتغيبت يومين عن المدرسة وحين سألني: لماذا تغيبت قلت له: حفظت نصف الديوان… ابتسم الرجل وقال: هيا أسمعني… وحين تأكد قال: هو لك هدية مني ومازال يرافقني..
وهنا لابد من الإشارة إلى أنه أصبح نادراً إلى أن أعادت الهيئة العامة السورية للكتاب طباعته بحلة جديدة أشرف عليها الشاعر توفيق أحمد مديرها حينئذ، وأضاف إليه مجموعة قصائد لم تكن منشورة.
– في الذاكرة..
اليوم نقدم رواية حكايته مع أم كلثوم التي زارته طلباً لغناء قصيدته شقراء…
تقول الحكاية:
يتداول الكثير من الأدباء حكاية زيارة سيدة الغناء العربي “أم كلثوم” لصالون “بدوي الجبل” الأدبي في “دمشق” وذلك في مطلع الخمسينيات يوم دعيت “كوكب الشرق” لإحياء حفلة في “دمشق” وكان من المتعارف عشقها وشغفها بالشعر، فكانت تتذوقه وتختار منه قصائد لتغنيها، ولها تدخلات في تغير بعض كلمات أغانيها أشهرها “أنت عمري”.
كانت “أم كلثوم” قد أعجبت بقصيدة “البدوي” وعنوانها “شقراء” واشترطت لغنائها لها أن تستبدل كلمة “شقراء” بكلمة” سمراء”،فاعتذر منها وقال:« إذا أردت أن تغنيها فلتغنيها كما هي لأني كتبتها بفضل إلهام فتاة سويسرية شقراء» ،فرفضت “أم كلثوم” ، وفي اليوم التالي حاولت إقناعه لكن دون جدوى ،فخرجت غاضبة وقررت أن لاتغني له ابداً.
– شقراء..
وفي ما يلي نص القصيدة الخالدة:
هدهد همومك عندي
على حيائي وصدّي
حور النعيم تمنّت
نعمى هواي ووجدي
هل عندهنّ رحيقي
و هل لديهنّ شهدي
يا ساكب الشعر خمرا
من شعر ربّك خدّي
ومن معانيه عطري
و من قوافيه وردي
تأنّق الله دهرا
يعيد فيّ ويبدي
حتّى جلاني شعرا
يا حسرة الشعر بعدي!
خياله السمح نديّ
ثغري ونمنم عقدي
وقلبه كان كأسي
و جفنه كان مهدي
والأنجم الزهر حولي
دمى للهوى وعدّي
فغارت الحور منّي
و كلّ زهو ومجد
وهبّ في روض عدن
عليّ عاصف حقد
فكان لله حكم
لشقوتي بل لسعدي
واختار بعدي عنه
و راح يبكي لبعدي
***
دنياي أحلى وأغلى
من ألف جنّة خلد
أنّا الربيع المندّى
قارورة العطر نهدي
يهيم حسني بحسني
و يجتلي ويفدّي
وجنّ ثغري بريقي
و حنّ جيدي لزندي
وكلّ وشي حرير
يودّ لو لفّ قدّي
وكلّ عطر تشتهي
أن أسفح العطر وحدي
شقراء تحلم شمس ال
ضحى بخدّي وبردي
رفّت خصيلات شعري
بأشقر النور جعد
سكران تيه ودلّ
…. مخمور وهج ووقد
يا شاكياً زور وعدي
أحلى من الوصل وعدي
هيامنا يا حبيبي
أريد حلما لسهدي
كلّ المحبّين ملكي
و أنت وحدك نديّ
وكبرياء جمالي
تريد منك التحدّي
***
شقراء يا لون حسن
محبّب مستبد
ويا جمالاً غريباً
على ظباء معدّ
لا وسم ليلاي فيه
و لا ملامح هندي
ولا اسمرار الغريرات
بالعقيق ونجد
ظمآن أنشد وردا
و عند عينيك وردي
يا سكرة بعد صحوي
و فتنة بعد رشدي
يا رغبة العين والقلب
بعد يأس وزهد
بيني وبينك حرب
و هول أخذ وردّ
صراع روحين فيه
عنف العدوّ الألدّ
وغزو قلب لقلب
فتح يبيد ويردي
فناء دنيا بدنيا
و طيّ بند ببند
الحبّ لا حكم شورى
لكنّه حكم فرد
فهيّئي فتنة الحسن
كلّها واستعدّي.