” نحن والتّرجمة “

الترجمة من العمليات الأساسية في التواصل بين الثقافات المختلفة فهي تسهم في إزالة الحواجز الثقافية، وتعزز التفاهم بين الأفراد والمجتمعات. ومع التقدم التكنولوجي، ووسائل الاتصال الحديثة، والعالم المعاصر الذي أصبح قرية صغيرة، اكتسبت الترجمة أهمية فوق أهميتها للتقريب بين ثقافات الأمم، والشعوب بنشر الآداب، والفنون، والمعرفة الإنسانية، وللاستفادة من العلوم المختلفة عبر نقلها من لغة إلى أخرى، وكذلك في فتح آفاقٍ جديدة للتطور، وتعميق التفاهم بين البشر، هذا عدا عن انعكاس ذلك على التعاملات الاقتصادية، والتجارية أيضاً.

ومهنة المترجم يُنظر إليها كواحدة من المهن التي تحظى بالاحترام، والأهمية إذ لا تقل قيمتها عن الكتابة وهي تُحترف أيضاً كمهنة. فالترجمة فن، وعلم بآنٍ معاً ذلك لأنها تتطلب ليس فقط معرفة باللغة المصدر واللغة الهدف، بل أيضاً فهماً عميقاً للثقافة المنقول عنها، وللسياق الذي يحيط بالنص الأصلي.

والعالم العربي على مدى عقود فاز بترجمات عديدة، وهامة، إلى اللغة العربية من قِبل مترجمين بارعين خاضوا غمار الترجمة الأدبية، فهل أذكر منهم: سامي خشبة، ومنير بعلبكي، ونبيل حفار، وسامي دروبي، وغيرهم كثير من أجيال مختلفة.. إلا أننا لم نفز إلا بأقل القليل من الترجمات من لغتنا الأم إلى اللغات الأخرى لتبدو بالتالي الصورة الحقيقة عنا، وعن الإبداع العربي منقوصة، أو ضبابية غير واضحة لدى مَنْ يقع على الجانب الآخر من الجغرافيا العربية.

إن مدَّ الجسور الثقافية المتينة بين شرقنا والغرب يحتاج إلى قرار يصدر عنا لا عمن ينتقي من إبداعنا ما يتفق وأهدافه، ومصالحه البعيده التي تُظهر الفوارق بين الطرفين حتى يقوم بترجمته إلى لغته.. والغايات غير البريئة تبرر تلك الترجمات، ولها أمثلة كثيرة.

صحيح أن التقنيات الحديثة باستخدام الذكاء الصناعي قد ساعدت في عملية ترجمة النصوص من لغة إلى أخرى، إلا أن الجهود تلو الجهود تُبذل لتحسين أداء الترجمة الآلية، ومن ثم يقوم المترجم بعد تلك المرحلة بدوره النشط في التحرير، والتدقيق للنصوص المولدة من قبل نظام آلي، حتى أصبحت تلك الوسائل شائعة، ومرغوب بها كمرحلة أولى لعملية الترجمة، وقد لا يُستغنى عنها في المستقبل القريب إذا ما تم تطويرها لأداء أفضل.

إلا أننا نبحث عن دور المترجم (الأديب) الذي ينقل روح النص لأن مهمته لا تقتصر على نقل المعنى بمقدار ما تتطلب منه مهارات خاصة لتحقيق توازن بين الصحة اللغوية، والإبداعية للنص المُترجَم، ونقل الجمالية الأدبية دون خدشها، إلى جانب أسلوب الكاتب في تفرده.

واحتراماً للتنوع الثقافي، واللغوي، يتعين على المترجِم الأدبي أن يكون على دراية بالثقافات المتصلة باللغتين المعنيتين، وأن يفهم العديد من الجوانب الثقافية، والتاريخية، والاجتماعية التي تؤثر على النص الأدبي الأصلي، ولهذا يُعتبر المترجم الأدبي أيضاً فناناً إبداعياً يتمتع بالمرونة، والقدرة على ابتكار حلول للتحديات اللغوية، والثقافية المتعلقة بعملية الترجمة. أما الاختيار الدقيق للكلمات، والتراكيب، والأسلوب، والأصوات الأدبية المناسبة فيُعد أمراً حاسماً في تحقيق هذا الهدف، والاحتفاظ بروح العمل الأدبي الأصلي.

ومع ذلك فقد تكون الترجمة الأدبية تحدياً بالنسبة للمترجِم بسبب الاختلافات الثقافية، واللغوية العميقة، والمفردات الخاصة، والألفاظ غير المألوفة مما قد يتطلب تدقيقاً، وتحريراً مكثفين للتأكد من أن الترجمة تعبِّر بشكل صحيح عن النص الأدبي، وتحافظ على قوة العمل، وجماليته.

أما عملية الترجمة من اللغة العربية ذات التاريخ الغني بالشعر، والأدب إلى اللغات الأخرى فهي تواجه العديد من التحديات أولها اختيار النصوص، والأعمال الأدبية التي لا تتحدث عن الشوارع الخلفية لمدننا، وإرثنا الحضاري لتجسد الصورة القاتمة عنا.. وكل مدن العالم لديها ذلك الشارع الخلفي في حاضرها، وماضيها، الذي ينتقص من هيبتها، ومكانتها لكنه يظل مهملاً، ولا يتم الالتفات إليه في نقل الصورة الحقيقية عنها.

كذلك فإن للغة العربية هيكل لغوي مختلف عن العديد من اللغات الأخرى، ويتضمن تراكيب، وترتيبات جملية مختلفة قد يكون معها من الصعب تحويل هذه البنية اللغوية إلى لغة أخرى دون فقدان شيء من المعنى، أو التأثير على سلاسة النص المترجم. واللغة العربية بقوتها، ومتانتها تحمل في طياتها تعابير ثقافية، ومفاهيم فريدة ليس من السهل التعبير عنها بالشكل الصحيح في لغة أخرى بسبب اختلاف الثقافات، والإشارات الثقافية الخاصة بكل لغة، والدلالات الموجودة في الكلمة الأصلية.

أما فيما يخص المجالات الخاصة الأخرى مثل القانون، والطب، والتكنولوجيا، وغيرها، والتي لديها مصطلحات فنية متخصصة في الترجمة من وإلى فقد يكون من الصعب أيضاً إيجاد مكافئ دقيق لها في لغة أخرى، مما قد يؤثر على دقة الترجمة في هذه المجالات.

وفي المحصلة فإن على المترجِم أن يكون على دراية تامة بكل التحديات إلى جانب الفهم العميق للغتين المعنيتين، وللثقافات المرتبطة بهما لتحقيق مهمته بالشكل الأمثل.

 

آخر الأخبار
الرشاوى واستغلال المنصب يطيحان بوزير سابق.. والنيابة تتحرك تقرير جديد للبنك الدولي يسلط الضوء على التحديات الاقتصادية في سوريا وفد أردني يبحث التعاون والتنسيق مع محافظ درعا إخماد حرائق اشتعلت في قرى القدار والفلك والشيخ حسن مبادرات في حماة لدعم معتقلين محررين من سجون النظام المخلوع طلاب الثانوية "التجارية" يواجهون امتحان المحاسبة الخاصة بثقة وقلق عودة النبض التعليمي لقرية نباتة صغير في ريف الباب اتحاد البورصات التركية: سنعمل على دعم إعمار سوريا الجهود تتواصل لإخماد الحرائق ودمشق تطلب مساعدة "الأوروبي" " المركزي" يُصنف القروض تبعاً لفقر أو غنى الفرد ..خبراء لـ"الثورة": القروض تُصنف من حيث الأهداف التن... مبادرة إنسانية لدعم الساحل.. رجل الأعمال خليفة يطلق "نَفَس- حقك بالحياة" ترامب: رفعنا العقوبات عن سوريا لمنحها فرصة بناء الدولة زيارة الرئيس الشرع.. خطوة جديدة نحو تعزيز الشراكة مع الإمارات "الأغذية العالمي" : تعويضات بقيمة 7.9 ملايين دولار لمواجهة الجفاف في سوريا أبناؤنا.. بين الأمل والألم وزارة الطوارئ: 16 طائرة تشارك ومخاوف من تمدد الحرائق تدفع لإجلاء 25 عائلة الزواج الرقمي في سوريا.. تحوّل اجتماعي أم حل اضطراري..؟. أصبحت تقليداً أعمى.. النرجيلة أضرار مادية وصحية كيف نتخطى آثارها وزير يقود الاستجابة.. إشادة واسعة بجهود "الصالح" والدفاع المدني في مواجهة حرائق اللاذقية واشنطن تلغي تصنيف "هيئة تحريرالشام" كمنظمة إرهابية أجنبية