خميس بن عبيد القطيطي – كاتب من سلطنة عمان
العلاقة بين العرب والغرب قديمة قدم تاريخ الحضارات البشرية أو ما يسمى العالم القديم، ولاشك أنه بقدر ما استفاد الشرق والغرب من بعضهما في مختلف فترات التاريخ، كانت هناك صراعات وسباق حضاري بينهما، إلا أن المؤسف أن يكون هذا السباق جاء على حساب الآخر وليس استكمالاً لدوره الحضاري.. والحديث عن العلاقة بين العرب والغرب يحمل في طياته الكثير من المآسي على العرب خاصة؛ فعلى الرغم مما قدمه العرب والمسلمون لأوروبا بشكل خاص من علوم وازدهار في مراحل العرب الذهبية في الأندلس والوجه الحضاري المشرق الذي رسخه العرب هناك (اسبانيا والبرتغال) وانتقاله إلى بقية الحواضر الأوروبية، وعلى الرغم من أمهات الكتب والمجلدات العلمية التي انتقلت من الشرق وعلماء العرب في فترة ازدهار الحضارة العربية في بغداد ودمشق والقاهرة، وبرغم العلوم التي برع فيها علماء العرب وانتقلت من الشرق إلى الغرب في مجالات متنوعة مثل الطب والهندسة والكيمياء والفيزياء والرياضيات والفلك والملاحة والزراعة والعمارة وغيرها من العلوم والفنون واستفاد الغرب منها في تشكيل قاعدة علمية للحضارة والنهضة الأوروبية.
وهناك كتب وبحوث متعددة سجلت هذا الرصيد العربي الهائل الذي نهلت منه القارة الأوروبية وليس للحصر (شمس العرب تسطع على الغرب لمؤلفه زيغريد هونكه) وكذلك كتاب (عباس محمود العقاد كيف استفاد الغرب من الحضارة العربية) وهناك الكثير من الكتب والبحوث الأخرى، وللعلم فإن الأندلس كانت منارة علوم وحضارة استقطبت البعثات من مختلف أرجاء أوروبا ولكن ماذا بعد؟!.
للأسف الشديد لم نجن نحن العرب من الغرب إلا ممارسة الأعمال العدائية وتاريخ مؤلم للحملات الصليبية والمؤامرات والاتفاقيات التي قسمت الدولة العثمانية التي سميت الرجل المريض فقسمت خرائط الوطن العربي بين القوى الأوروبية، فتم احتلال المشرق العربي وارتكبت فيه مجازر وأعمال إرهاب رسمي بحجة القضاء على المقاومات العربية وقمع أي حالة نضال عربي أو ممانعة لقوى الاحتلال.
التاريخ سجل تلك العلاقات الدولية المشحونة بعد قيام النهضة الأوروبية فتم احتلال أجزاء الوطن العربي من الخليج إلى المحيط، ولو اكتفى الأمر بذلك فهذه حالة دارجة في تاريخ الأمة وصراع البقاء من أجل السيطرة على الثروة، وربما نعتبر ذلك في سياقاته التاريخية فقد سبق العرب بالسيطرة على إسبانيا بغض النظر عن المقاصد وما رسخه العرب هناك من حضارة على عكس ما خلفه الاحتلال الأوروبي للوطن العربي من مآس ومعاناة لازالت عناصرها ماثلة حتى اليوم في المنطقة، نعم لم يكتف الغرب الأوروبي بذلك فقد عمل على تكريس الضعف والتراجع والانقسام، والتاريخ الحديث سجل عددا من الحالات يجب أن لا تغيب عن الذاكرة العربية في إطار معركة الوعي.. ففي عام 1907م يذكر عدد من المراجع ما سميت وثيقة كامبل ورغم الجدل حول مصادر تلك الوثيقة إلا أن النتائج اللاحقة جاءت بالدقة حسب ما ورد في تلك الوثيقة، ووثيقة كامبل عبارة مؤتمر كامبل بنرمان وهو مؤتمر انعقد في لندن عام 1907م بدعوة سرية من حزب المحافظين البريطانيين بهدف إيجاد آلية تحافظ على تفوق ومكاسب الدول الاستعمارية إلى أطول أمد ممكن.
وقدم فكرة المشروع حزب الأحرار البريطاني الحاكم في ذلك الوقت وضم عددا من الدول الاستعمارية في ذلك الوقت هي: بريطانيا، فرنسا، هولندا، بلجيكا، إسبانيا، إيطاليا. وفي نهاية المؤتمر خرجوا بوثيقة سرية سموها «وثيقة كامبل» نسبة إلى رئيس الوزراء البريطاني آنذاك هنري كامبل بانرمان.
وهو أخطر مؤتمر عقد لتدمير الأمة العربية خاصة والإسلامية عامة المنافس الحضاري لأوروبا وكان هدفه إسقاط النهضة وعدم استقرار المنطقة بوضع حاجز بشري أو جسم غريب يفصل بين الشرق والغرب العربي ويعمل على عدة أهداف أبرزها عدم استقرار المنطقة وهو ما حدث بالفعل، ورغم عدم العثور على المصدر الأصلي للوثيقة، إلا أن الصحافة تحدثت عن المؤتمر في حينه وسجلت بعض التفاصيل، ولاشك أن الوثائق ليس كلها متاحا فهناك مما لا ينشر حفاظا على مصالح الدول وهناك ما يتم إتلافه على عكس الاتفاقيات والوعود التي لابد من إثباتها بشكل رسمي مثل اتفاقية سايكس – بيكو عام 1916 ووعد بلفور عام 1917م الذي قدم وعدا لتمليك اليهود أرض فلسطين وعد من لا يملك لمن لا يملك وبسبب هذه الذاكرة الملبدة بين العرب والغرب واستمرار احتلال فلسطين واستمرار إسقاطات المؤامرة الغربية على الوطن العربي وآخر تجلياتها التاريخية ما سمي الربيع العربي الذي كان للغرب الدور الأبرز فيه، ويخطئ من يعتقد أن القضية مسألة ثورات وحقوق شعوب فقط، نعم هناك تراجعات على الصعيد العربي وقصور وهموم في مختلف الأقطار العربية ولكن ما حدث من تخطيط ومتابعة واستهداف دول بعينها في حقيقته يهدف إلى إضعاف هذه الدول وخلق الفوضى الخلاقة الذي بشر به أقطاب القوى الدولية.. ولم يعد خافيا على أحد نتائج تلك المرحلة التي مازالت آثارها ماثلة للعيان فقد سقطت عدة دول عربية.
في أوضاع مأساوية مازالت عالقة حتى اليوم ومن الغباء تسليم الأمر إلى مسألة الحقوق وما يسمى الثورة المتناسخة لأن النتائج توازت مع تاريخ العلاقات المضطربة بين الغرب والعرب وأهمية تحقيق مشروع “إسرائيل الكبرى”.
تلك السياقات التاريخية بين الغرب والشرق العربي ونتائجها تؤكد على نوعية العلاقات الدولية بين الطرفين ونحن هنا لا نرفع راية الثأر بقدر ما يدفعنا ذلك إلى تحفيز الذاكرة في معركة الوعي للحديث عن الاستفادة من الدروس.. وليس كل ما يسجل في العلاقات الدولية ظاهراً بل هناك تاريخ مشوش وعلاقات دولية تشوبها المؤامرات الخفية، وهذه الحالة الدولية تتطلب من النظام الرسمي العربي اليقظة والاستفادة من تلك الدروس التاريخية ولابد من توحيد الجهود العربية وتحفيز معركة الوعي بأهدافها وترسيخ واقع عربي بالحديث عن الوحدة الضمنية والتعاون والتضامن العربي والعمل العربي المشترك والمشروع العربي الشامل وأهمية تنسيق الجهود لمواجهة المشاريع الأخرى التي تعمل على حساب المشروع العربي.
* المقال ينشر بالتزامن مع صحيفة الوطن العمانية ورأي اليوم