ثورة اون لاين: من الطبيعي بل من الضروري أن يلوذ من يعملون بالإبداع إلى العالم الافتراضي لنشر ما لديهم.. ومن الطبيعي أيضاً أن ينعكس ذلك على إبداعهم وعلى المتلقين الذين يجوبون آفاق هذا العالم..
ولكن من غير الطبيعي أن تجد أن عدد المبدعين والمبدعات قد أصبح بالآلاف وكل ساعة يتكاثرون كالفطر هذا يجلدك بقصيدة وتلك بحكمة ومعلقة وصورة وآلاف التعليقات المحابية التي لامعنى لها ولاتقدم ولا تؤخر، عالمنا الافتراضي محشو بكل شيء ففيه نثرات من ذهب وعليك أن تبحث عنها كثيراً لتجدها ومملوء بالرمال والقش والأخشاب والزؤان.
إبداع على صفحات (الفيسبوك) شيء جميل له وقعه الخاص له جماله لكن محاذيره أكثر مما نتوقع فكما كانوا يقولون ذات يوم الجدران دفاتر المجانين نضيف اليوم الصفحات (الفيسبوكية) دفاتر أرباع الموهوبين.
قدر استطاعتي أتابع ماينشر وقد أراحنا من بلاء الابداع المتلاشي ولم أقع على ما يحرك الذائقة الابداعية ويغريها ويدفعها لأن تقول: ليت هذا كان على الورق، ليتنا نشرنا هذا النص، أو أحد صاحبه أرسله إلينا.. الابداع في العالم الافتراضي ليس إلا ملء فراغ حتى الآن ولايعدو أن يكون تواصلاً اجتماعياً وفي أغلبه من باب الثرثرة واللغو..
في اليابان ومنذ سنوات خرجت بدعة (رواية المحمول) ولاقت نجاحاً متميزاً وعبر اشتراكات وهم بالتأكيد لايسبحون في وقت فراغ كما نفعل، وليس لديهم استعداد لأن يضيعوا أعمارهم في التعليق على ماتكتبه الحسناوات.. واللافت في الأمر أن كثيراً من مبدعينا (رجالاً ونساء) تحولوا إلى جامعي معجبين ومعجبات على صفحاتهم.. تدهش وأنت ترى شاعراً، شاعرة، روائياً، روائية وقد أغرته تعليقات أصدقائه.
العالم الافتراضي يبقى افتراضياً وابداعه لن يخرج بعيداً عنه.. قد تترسخ معالمه،، تتعمق لكن ضمن شروط ومناخات أرى أنها ليست متوفرة الآن لدينا، ربما تنضج خلال أعوام، وربما لن تنضج… لكن حقيقة واحدة تسوده أن الكل فيه بعيد عن النقد، بعيد عن الابداع عالم استعراضي.. ومكان لملء الفراغ.. وبالتأكيد لا أتحدث عن المواقع الحقيقية التي تعنى بالإبداع الحقيقي ونشره وإنما عن الاسفاف الذي يسمى شعراً، فكل آه تدون باسم امرأة يلحقها ألف ألف إعجاب في هذا العالم الافتراضي.. أهاتهن يلحقهن نقد ذكوري: (شي حلو) كم أنت مبدعة.. وما إلى ذلك من سلطة الحروف التائهة.. ومن المؤسف أن بعض المبدعات وقعن في حبائل هذا الاعجاب وكأني بهن أمام قول شاعرنا (والغواني يغرهن الثناء).
عالم من وهم وإبداع مكتوب بحروف من ريح.. فلا بقاء له ولاحياة..
ديب علي حسن