الثورة – الشارقة – سعاد زاهر:
في أمسية ثقافية استثنائيّة؛ شاركت الروائيّة الجزائريّة أحلام مستغانمي جمهور معرض الشارقة الدولي للكتاب 2023، احتفالها بإصدار روايتها الجديدة “أصبحتُ أنت” ومرور 30 عاماً على روايتها “ذاكرة الجسد”، استهلت الأمسية بالتعبير عن تضامنها مع القضية الفلسطينية وما يحدث في قطاع غزة من اعتداء وقصف، قائلة إن الاحتفاء بالكتابة في هذه الظروف لا معنى له أمام حجم النكبة التي تعيشها الإنسانية بأكملها، وقد أجهشت بالبكاء مرات عديدة.
وتابعت مستغانمي لتؤكد أنها في عز هذا الاحتفاء بأعمالها الأدبية والفرحة التي قد ترافق ذلك، إلا أن الأحداث المأساوية في غزة الجريحة “لم تترك لها بهجة، فقد فقدت سعادة الجلوس للكتابة لأنها ما عادت تعرف كيف تكتب على حاسوبها نصاً أدبياً مذ شاهدت الذين يكتبون أسماء أبنائهم على أذرعهم وأرجلهم ليتعرف عليهم الموت “.
وتساءلت عن قيمة النص الذي يكتب في هذه الظروف “هذا زمن الكتابة على الأجساد إنهم ينازعون الموت بقلم حبره دم أبنائهم، هل خبرت كتابة نص كهذا لن نكون أنفسنا بعد الآن”.
ولبست مستغانمي رداء أسود مطرزاً بكلمات عربية هي مقاطع لقصيدة درويش الشهيرة “اشتقت إلى خبز أمي”, وعبرت عن موقفها من العالم الذي لم يعد قادراً – كما تقول- على حماية مستشفى ولا مدرسة من القصف: “إننا لم نولد أشراراً ولا قتلى فغاية الإنسان الأولى في هذه الدينا الأمان، وغاية الإنسانية الأولى لابد أن تكون السلام”, وتأسفت على حال غزة التي لم يعد لها عيون لترى التضامن والمساعدات التي تبحث عن معبر مفتوح لتصل إليها.
ذاكرة الجسد.. نجاح لم يكن بالحسبان
ثم انتقلت لتتحدث عن كتاب ذاكرة الجسد- في الأمسية التي أدارتها الإعلاميّة البحرينية الدكتورة بروين حبيب فقالت: “كتاب ذاكرة الجسد كان حدثاً غير متوقع في حياتي، كتبت هذا الكتاب أثناء دراستي في فرنسا، كان لدي 3 أطفال صغار وما كان لي من أحد ليساعدني، كنت أكتب هذه الرواية ليلاً ومعظم الوقت كنت أخفي الأوراق تحت السرير خوفاً عليها من الأطفال. استعنت لكتابتها بما كان في حوزتي وذاكرتي ليس أكثر، برسائل أبي وما أعرفه عن الثورة الجزائرية وقصصي الخاصة، لم أكن أتوقع أبداً أن تحقق تلك الرواية ذاك النجاح المذهل”.
وتحدّثت حول تجربتها مع الشاعر نزّار قباني فيما يتعلّق برواية ذاكرة الجسد، مشيرة إلى أنها عندما التقت به بعد صدور الرواية، طلب منها الاطلاع عليها، وقالت: “بالرغم من صداقتي مع نزار خجلت من أن أعطيه الرواية، فمن أنا ليقرأ نزار قباني كتاباتي. ولكن فوجئت بعد أيام من حصوله عليها باتصال منه يخبرني أنّ الرواية دوّخته”.
أصبحت أنت.. هل يقرأ الأموات؟
وحول روايتها الجديدة “أصبحت أنت”، قالت مستغانمي: “كان السؤال لدي هل يقرأ الأموات؟ لأني أكتب لأبي، وفي الوقت نفسه أخاف أن أكتب ما يبكيه، ماذا لو كان الأموات يقرؤوننا حقاً؟ هذه الفكرة أبكتني. كتبت فقرات في هذه الرواية وأنا أبكي، لا أريد لأبي أن يعلم بما جرى بعده، كنت أريده أن يموت وهو مطمئن وسعيد، مازلت أكتب وكأن أبي يقرأني، إنه يحكمني من قبره وأفاخر بذلك، لذلك أنا أؤمن أن المرء يوقّع بأصله لا بقلمه.. اكتشفت أثناء كتابتي لهذا الكتاب أنني أصبحت أبي، فنحن جميعاً عندما نفقد من نحبّ ونشعر بعجزنا على استحضار من فقدنا؛ نصبح نحن هم”.
وفي ختام الأمسية عبّرت مستغانمي عن سعادتها بصدور روايتها الجديدة “أصبحت أنت”، وقالت: “هذا الكتاب يعدّ الأخ الروحي لذاكرة الجسد، والآن أشعر بأن الحلقة قد اكتملت، من لم يقرأ الرواية لا يمكن أن يفهم لماذا كتبت بتلك الشاعرية وبذلك العنفوان، ولماذا أبطالي كانوا كذلك.. لو لم أكتب هذا الكتاب لم أكن لأعلم أنني أشبه أبي لهذا الحدّ. إنه اكتشاف متأخر.
الآن أراجع نفسي وأقول: إن كل المواقف التي قمت بها والقرارات التي أخذتها لم أكن فيها أنا.