الثورة – فاتن دعبول:
اللغة العربية وشأنها الكبير بين اللغات وتأثيرها على الشعوب وامتدادها وانتشارها، كانت أهم محاور المحاضرة التي دعا إليها مجمع اللغة العربية في دمشق، متمثلاً برئيسه الدكتور محمود السيد، وقدمها عضو المجمع الدكتور عيسى العاكوب، الذي بدأ بحثه بالإشارة إلى نواة البحث وقصده، فقال: “يسعى هذا البحث إلى إمداد القارئ بخلاصة مركّزة في شأن العرب الذين تخلقت العربية القرآنية في أرحام عقولهم وألسنتهم، ثم نمت وازدهرت في تربة الإبداع اللغوي عند القرشيين خاصة..”
لغة الإبداع الرفيع
أصبحت اللغة العربية اللغة الأساس في قريش بعد أن امتلكوا ناصيتها باقتدار، وباتت لغة الإبداع والمسابقات الأدبية في كل أصقاع الجزيرة العربية، وكان من آثار تلك الأستاذية القرشية في الفصاحة والبيان أن آثرت قبائل العرب في غير الحجاز لهجة قريش على لهجاتها، وغادرت تلك اللهجات مساحة واسعة من ميادين استعمال القبائل إياها، لتحل لهجة قريش محلها، وتتسلم قريش السيادة اللغوية حتى قبل نزول القرآن والرسالة.
وازداد ألق أساتذة البيان العربي القرشي ألقاً بعد نزول القرآن، لأنهم استمدوا منه ما تميز به من البيان العالي وصياغة المفردات، وعمق التعبير.
وبعد أن تسلح القرشيون المهاجرون واليثربيون الأنصار بأمضى أسلحة الإيمان والبيان، انطلقوا في أرجاء الممالك وحدث عراك” العربية القرشية القرآنية” مع لغات أخرى كانت سائدة قبل الفتح، واستطاعت العربية القرشية القرآنية أن تهزم الآرامية في الشام والعراق، والقبطية في مصر، والبربرية في شمالي إفريقيا، وعاركت أيضاً الفارسية ولغات أخرى في الشرق والغرب.
ويعيد الباحث العاكوب هذا التفوق إلى أسباب عديدة، أهمها: أن العرب هم جنس بشري يتعامل مع وجود خاص، ومتميز بصفات خاصة، واستطاعوا بفطنتهم وذكائهم أن يطوعوا كل شيء لخدمتهم، وهم بعد ذلك يمتلكون طبيعة خاصة جعلتهم يرتقون بالعربية لتصبح مهيأة لاستقبال المدد البياني الإلهي.
هذا إلى جانب تناهي النضج اللغوي البياني في العربية القرشية قبل نزول القرآن، حيث بلغ المستوى اللغوي البياني لهجة قريش قبل نزول القرآن مستوى عالياً جداً في الإفصاح، وهذا يعني أن تنزيل القرآن بلهجة قريش يعني أن المكونات الأساسية واحدة في البيانين القرشي والقرآني.
– انتصار لهجة قريش..
وبيَّن الباحث عيسى العاكوب أن اللغة العربية استطاعت أن تحقق انتصارين اثنين، كان الانتصار الأول داخلياً اتسم بصعود اللغة عالياً باتجاه التحسين والتهذيب والصقل حتى بلغت الذروة.
وتمثل الانتصار الثاني في سير العربية باتجاه قلوب العرب وعقولهم وأخيلتهم على امتداد الجزيرة شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، إلى أن أزاحت هذه القرشية اللهجات العربية الأخرى بالمحبة والإكرام والإعجاب.
كما ساهمت الفتوحات الإسلامية بامتزاج العرب واحتكاكهم بكثير من الشعوب، ودخلت لغتهم في صراعات مع اللغات الآرامية والقبطية والبربرية والفارسية وغيرها، وقد استطاعت أن تصرع اللغة العربية اللغات” القبطية والبربرية والآرامية” حتى أصبحت المساحة التي تستعمل فيها العربية لغة وحديثاً نحو أربعة عشر مليون كيلو متر مربع، وبلغ عدد المتكلمين بها زهاء مئة مليون.
– نور الارتقاء الروحي..
ويخلص الباحث إلى أن عربية القرآن الكريم “العربية القرشية” هيىء لها قبل زمان التنزيل أن تصقل وتهذب وترتقي، إلى أن غدت لغة الأدب عند العرب شعراً وخطابة، والمعيار الذي تقاس به منزلة الكلام في سلم الإجادة والإتقان، وجهدت القبائل في محاكاة العربية القرشية إلى أن غلبت هذه العربية على اللهجات العربية الأخرى في الجزيرة وحلت محلها.
وعندما جاء التنزيل بها ازدادت ألقاً على ألق، واستطاعت أن تعرب شطراً كبيراً من العالم، حاملة إليه نور الارتقاء الروحي والعقلي والسلوكي، ومفاتيح الازدهار المادي.
واختتمت المحاضرة بمداخلات عدد من الحضور التي أكدت على أهمية العناية باللغة العربية، وخصوصاً عند و الأطفال، لأنها من أهم مقومات عروبتنا وأصالتنا وهويتنا.