الثورة – ديب علي حسن:
بين مؤيد ومعارض مازال الأمر جدالاً.. هل ابن عساكر مؤرخ..؟
ثمة من يقول إنه مؤرخ، وأي مؤرخ، والدليل على ذلك كتابه الأضخم في التراث العربي (تاريخ دمشق)، بينما ثمة من يرى أنه محدث وجامع لتراجم وسير الأشخاص، وكتابه هذا يصب في هذا اللون فهو ليس تاريخاً، ونظن أن المؤرخ الكبير سهيل زكار تحدث بهذا المعنى.
وعلى كل حال نقف هنا عند الجديد في هذا الصدد، فقد صدر عن مجمع اللغة العربية بدمشق مجلدان ضخمان من هذا التاريخ الذي أخذ مجمع اللغة العربية على عاتقه إعادة تحقيقه ونشره، وربما كان ذلك قد بدأ منذ عقود من الزمن.
ومازال العمل مستمراً في هذا الاتجاه نحو استكمال مشروع مهم يحقق الكثير من الفائدة، بغض النظر عن كون الكتاب يؤرخ لدمشق أم لا..
وهناك من يرى لو أن المجمع حين بدأ هذا لمشروع قد وضع نصب عينيه إصدار معجم لغوي لكان الأمر أكثر فائدة.
من هو ابن عساكر..؟
تقول الموسوعة الحرة عنه:
(ولد في غرة المحرم من سنة 499هـ = 13 أيلول 1105، كان أبوه تقيّاً ورعاً، محباً للعلم ومجالسة العلماء ومصاحبتهم، وكانت أمه من بيت علم وفضل، فأبوها أبو الفضل يحيى بن علي كان قاضياً، وكذلك كان أخوها أبو المعالي محمد بن يحيى قاضياً.
وقد رزق الوالدان الكريمان قبل ابنهما علي بولد كان له شأن هو أبو الحسين الصائن هبة الله بن الحسن كان من حفاظ الحديث.
نشأ ابن عساكر إذاً في دمشق ببيت علم، وكانت أسرته الصغيرة هي أول من تولى تعليمه وتهذيبه، فسمع الحديث من أبيه وأخيه وهو في السادسة، ثم تتلمذ على عدد ضخم من شيوخ دمشق وعلمائها، قرأ على أبي الفرج غيث بن علي الصوري تاريخ صور، وجزءاً من كتاب تلخيص المتشابه للخطيب البغدادي، وقرأ على عبد الكريم بن حمزة السليم كتاب الإكمال لابن ماكولا ومشتبه النسبة لعبد الغني بن سعيد، وقرأ على شيخه أبي القاسم النبيه كتاب المجالسة وجواهر العلم لأحمد بن مروان الدينوري وتلخيص المتشابه للخطيب البغدادي، وقرأ على أبي محمد بن الأكفاني كتاب المغازي لموسى بن عقبة وكتاب المغازي لمحمد بن عائذ الدمشقي، وأخبار الخلفاء لابن أبي الدنيا، وغيرها.
تاريخ دمشق
شغل ابن عساكر نفسه بالعلم مذاكرة وتحصيلاً، وجعله هدفاً لا يصرفه عنه شيء، ولم يجعله وسيلة لتولي منصب أو طمعاً في مال أو جاه، أعطاه نفسه ولم يبخل عليه بجهد، فكافأه الله سعة في التأليف، وصيتاً لا يزال صداه يتردد حتى الآن، ومكانة في العلم تبوأها في المقدمة بين رجالات العلم في تاريخ الإسلام.
وخلال التدريس وضع ابن عساكر مؤلفات كثيرة، لكن مؤلفاً منها قد ملك عليه فؤاده، وانصرفت إليه همته الماضية منذ أن اتجه إلى طلب العلم، فبدأ يضع مخططًا لكتابه الكبير «تاريخ دمشق»، الذي صار نموذجاً للتأليف في تاريخ المدن، يحتذيه المؤلفون في المنهج والتنظيم.
استغرق التفكير والتأليف في تاريخ دمشق وقتاً طويلاً من حياة مؤلفه، وصاحبه منذ فترة مبكرة من حياته، فكرة في الذهن، ثم مخططاً على الورق، وشروعاً في التنفيذ، فهو لم يؤلفه في صباه وشبابه ولم ينجزه في كهولته، وإنما شغل حياته كلها، ولم يفرغ منه إلا بعد أن وهن جسده وكلّ بصره.
وكان العمل ضخماً يحتاج إنجازه إلى أعمار كثيرة، وكاد المؤلف ينصرف عن إنجازه وإتمامه، لولا أن خبر هذا الكتاب تناهى إلى أسماع «نور الدين محمود» ملك دمشق وحلب فبعث إلى الحافظ ابن عساكر يشحذ همته ويقوي من عزيمته، فعاد إلى الكتاب وأتمه سنة (559هـ / 1163)، ثم قام ولده القاسم بتنقيحه وترتيبه في صورته النهائية تحت بصر أبيه وعنايته، حتى إذا فرغ منه سنة 565هـ / 1169 قرأه على أبيه قراءة أخيرة، فكان يضيف شيئًا، أو يستدرك أمرًا فاته، أو يصوب خلطًا، أو يحذف ما يراه غير مناسب أو يقدم موضعًا أو يؤخر مسألة، حتى أصبح على الصورة التي نراها الآن بين أيدينا تحفة الكتب في تاريخ المدن)
أما الجزءان اللذان صدرا عن مجمع اللغة العربية بدمشق مؤخرا فهما: المجلدة الخامسة والعشرون والسادسة والعشرون، وكل مجلدة تقع في أكثر من ٥٠٠ صفحة وهما من تحقيق : مأمون محمد الصاغرجي ..يتحدث المحقق في المقدمة عن الجهد المبذول للوصول إلى هذا التحقيق المتميز.
وبكل الأحوال : إنه لإنجاز مهم يحسب لمجمع اللغة العربية رائد المجامع اللغوية وبوصلتها .