لا يحتاج الأمر للكثير من المقدّمات والبحث عن دواعي الارتفاع الكبير لأسعار الأدوية .. يكفي أن تتوقف مستودعات الأدوية عن توزيعها للصيدليات أو تحكمهم بفرض أنواع معينة توزعها ضمن ما يسمى (سلة دوائية) .. ويكفي أن تكون معظم رفوف الصيدليات شبه فارغة من الدواء الوطني المحلي في حين تغص السوق السوداء بالأدوية المهربة .. إنه واقع لا يمكن تجاهله .. ولكن هناك واقعاً آخر يوازي هذه الإشكالية وربما أكثر فهناك بالطرف الآخر شريحة المرض التي تتسع دائرة انتشارها يوماً بعد يوم لدواع كثيرة .. وتقف عاجزة على تأمين أدويتها للظروف السابقة إضافة لغلاء الأسعار.
ارتفاع سعر الدواء الذي أعلن عنه منذ أيام بنسبة ٧٠% .. كان قد سبقه ارتفاع آخر منذ شهرين فقط، وأيضاً سبقه ارتفاع في الشهر الثامن من هذا العام .. وقد كان مسلسل ارتفاع أسعار الدواء قد بدأ في كانون الثاني بنسبة وصلت إلى 80% وبحسب وزارة الصحة هناك أصناف جديدة أضيفت إلى القائمة مغايرة عن التي ارتفع سعرها مؤخراً … إلا أنه وبكلّ الأحوال هناك مفارقات أصبحت كبيرة وواضحة بين سعر الدواء والإمكانية الشرائية له من قبل غالبية المواطنين .. وبين جودة المادة الفعّالة التي ينظر إليها كأحد الأسباب المباشرة لارتفاع سعر الدواء نظراً لارتباطها بموضوع الاستيراد.
بغض النظر عن أحقية ارتفاع أسعار الأدوية أم لا .. وأين تكمن المصلحة الحقيقية خلف هذه الزيادات .. لابدّ من الإشارة إلى انخفاض مبيعات الأدوية في معظم الصيدليات وأن الكثير من المرضى لم يعد لديهم القدرة على شراء حاجتهم من الدواء فالكثير منهم يفضل تأمين مستلزمات حاجاته الغذائية كأولوية على الدواء على الرغم مما يعانيه من أمراض .. وهناك تجاهل حقيقي لواقع الأمراض المنتشرة اليوم، وخاصة أننا في فصل الشتاء حيث غالبية الأسر لديها أطفال أو كبار بالسن ويحتاجون إلى أدوية خاصة تتعلق بالزكام والرشح والكريب أو الضغط والأدوية المزمنة.
وعليه فإن لجوء المريض للتخفيف من تناول أدويته يعني ارتفاع لحالات المرضى ،وهذا بحدّ ذاته يعتبر تحدياً أمام المعنيين في المجال الصحي…وإن تناول الدواء لأكثر من مرة وعدم حصول المريض على النتائج المتوقعة هو أيضاً تحدٍّ آخرأمام نقص بعض الأدوية من المادة الفعّالة وعدم مطابقتها للمواصفات المطلوبة.. ولعل هذا أمر يجب ألا يترك من دون مراقبة ومتابعة من المعنيين.